عبير نعمة لـ"العربي الجديد": لم أكنْ لأختار أيّ شيءٍ آخر في حياتي سوى الموسيقى

30 ابريل 2022
الموسيقى تجعلنا مسؤولين وتعلّمنا أنْ نستضيف الآخر في حياتنا (من الفنانة)
+ الخط -

رغم حضورها اللافت طوال العقدين الماضيين، إلا أن المغنية اللبنانية عبير نعمة (1980)، لم تُصدر ألبوماً كاملاً إلا في عام 2018، تحت عنوان "غنّي قليلاً"، بالتعاون مع مارسيل خليفة. في العقد الذي سبق صدور هذا الألبوم، كانت نعمة معروفةً كصوتٍ تنقّل بين الأغنية المعاصرة والتراث والترانيم الروحانية والدينية. 
في عام 2019، أصدرت نعمة ألبومها الثاني، "حكاية". عمل تعاونت فيه مع عدد من الكتّاب والموسيقيين، وشاركت هي أيضاً في جزء من ألحانه. في منتصف العام الماضي، أصدرت ألبوماً يحمل عنوان "حكاية".
أخيراً، قدّمت نعمة أغنية منفردة، تحمل عنوان "بلا ما نحسّ"، وصوّرتها على طريقة الفيديو كليب، بإخراج إيلي حبيقة. بهذه المناسبة، التقتها "العربي الجديد" في هذه المقابلة.

 ما الدوافع التي جعلتك تحترفين فنّ الغناء؟ 
أنا ممتنّة للموسيقى وللحياة التي جعلتني أختار أنْ تكون الموسيقى هي اللغة التي سافرت بي إلى كل بقاع الأرض وسحرتني وسكنتني، حتّى صارت أختي وبيتي وهويتي. لم أكنْ أتخيّل أني سأختار أيّ شيءٍ آخر في حياتي، لأنّه ابتداءً من اليوم الذي جئت فيه إلى هذه الدنيا، ظلّت الموسيقى عالمي والبيت الذي أسكنه. لذلك، لم أتخيّل نفسي يوماً في مكانٍ غير مكاني، لأنّ الموسيقى هي التي سحبتني وأخذتني إليها.

صدرت لك قبل أيام أغنية مُذهلة بعنوان "بلا ما نحسّ" من إنتاج Universal Music Mena، الشركة المُنتجة لأعمالك، نلاحظ فيها مدى تطابق جماليّات الصوت مع قوّة إخراج الفيديو كليب. كيف وعيت ذاتك من خلال هذه الأغنية، صوتاً وإخراجاً؟
هي أغنية بوب بامتياز، لحناً وكلاماً. وأيضاً على مستوى الفيديو كليب؛ لذلك فأنا سعيدة بهذه النتيجة. كما أنّ التوزيع أضاف الكثير من الجماليّات إلى مسار الأغنية، ووضعها ضمن نسق موسيقي مُختلفٍ. كما عملت على الأغنية بإضفاء بُعد حسّي؛ لأن الأداء هو جزء من اللحن والتأليف، كما يُعبّر بشكلٍ خاصّ عن الأغنية، باعتباره جزءاً من طريقة وصول الأغنية حسب الأداء. لأن مَشاعر الناس تتفاعل مع الأغنية، ليس فقط من جانب اللحن والكلمة، بل لجهة الأداء الذي يلعب دوراً قوياً في التعبير عن جوهر الأغنية وحمولاتها الفنّية. لذلك، كانت هناك عدّة محاولات حتى نجرّب كيف يكون أداء هذه الأغنية وجمالياتها ويترجم فكرها وذائقتها.

يحتفظ المُستمع العربيّ بإطلالتك البهيّة في أغنية "غنّي قليلاً" مع مارسيل خليفة. كيف جاءت ثمرة هذا التعاون الموسيقي؟ وهل ثمّة أيّ تأثيرٍ على مسارك الموسيقي المُختلف؟
الحياة والموسيقى جمعتني بالفنّان مارسيل خليفة، لأنّ موسيقاه أخذت صوتي إلى مكانٍ مُختلف. ومن الممكن أيضاً أنْ يكون صوتي قد أخذ موسيقاه. وقد التقينا بعمل كبير، لأنّنا اشتغلنا على 21 أغنية مع عمل موسيقي وكلام وشعر، وأوّل ألبوم كان من إنتاج مارسيل خليفة وتوزيع Universal Music Mena. هذا التعاون مختلف عن أي عمل أنتجته؛ إذْ ثمّة تعبير مختلف. عمل لا يؤثر عليّ، بمعنى أنه لا يؤطّرني؛ لأنّ الموسيقى مثل البيت الذي فيه أكثر من غرفة وباب. هكذا هي الموسيقى في حياتي، إذْ لا أستطيع الالتزام بطابع أو نمط واحد طالما اعتبرت أنّ هذا الاختيار كان رائعاً، وأضعه دائماً في مكان سامٍ.

في ألبومك الثاني، "حكاية"، تتألق عبير نعمة بشكلٍ أكبر هذه المرّة، صوب فضاءاتٍ سحرية ورومانسية تراوح بين الفصيح والعامّي. ما المسار الفنّي الذي حققه هذا الألبوم؟
الموسيقى أبعد من الكلام والتكنولوجيا والتواصل؛ إذ تأتي من الأعماق وتصل إلى أعمق الأعماق فينا. هي لغة سلامٍ وإيمان. لهذا، فإنّ الموسيقى تجعلنا مسؤولين، وتعلّمنا أنْ نستضيف الآخر في حياتنا. لهذا، دائماً حينما أريد اختيار أيّ أغنية، أشعر بمسؤولية وأعيش حالة من التوتر قبل الشروع في أي عمل.


يطغى على صوتك النفس الأوبرالي الحَالم، يجعل المُستمع يرنو إلى عوالم مُذهلة. ألا تعتقدين أنّ كل أغنيةٍ في ألبوماتك المُتنوّعة بمثابةٍ حلم عصيّ على النّسيان؟
صحيح بالفعل، ما أتمنّاه هو أنّ يكون لكل أغنية أصدرها وقع خاصّ على قلوب الناس، وتكون أداة ليس فقط للتسلية، وإنّما وسيلة لإضافة الفرح والسلام، ويكون فيها فنّ وإبداع حتّى تستطيع أخذ الناس إلى أمكنةٍ أخرى، وتكون فيها أيضاً رسالة. لذلك، كّل عمل يأخذ وقتاً طويلاً مني حتى أقدّمه للناس، لأني أحترم كثيراً كل إنسان يستمع إلى أغاني وينتظرها بشغف كبير. من ثم، فإن كل الأعمال التي قدمتها أراهن على أن تكون محبوبة وتترك أثراً جميلاً.
يبدو لي وكأنّ عبير نعمة تعشق الصمت وتُفضّل الابتعاد أكثر عن عالم التواصل الاجتماعي، ألا ترين أنّ ذلك قد يُؤثّر سلباً على مُستوى الترويج لألبوماتك الغنائية؟ أم أنّ لك رأياً آخر في الموضوع؟
أنا موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنّما بشكل محدّد يُمثّلني ويريحني ويشبهني، لأني بطبعي، لا أحّب الظهور وسرد القصص عن حياتي الشخصية. لهذا، فإن المادّة الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي منحصرة بالأغنيات والحفلات، وبقصص آخذ فيها رأي الناس أو أفكار نتشاركها معاً.

في تجربتك الغنائية، ثمّة تنويعٌ كبير في الغناء وتوسيع أفق الآلة الموسيقيّة بين القديمة والمعاصرة. هل يدخل ذلك ضمن التجريب الفنّي الذي ميّز داخلياً مسالك ومُنعرجات أغنية عبير نعمة؟ أم هو نوع من إرضاء أذواق المُستمع؟
الاختيار الإنساني والفنّي والموسيقي الذي عشته لأكثر من خمس سنوات على مستوى السفر الموسيقي في كل العالم، حتّى أوثق تجربتي الفنية بين الشعوب، اكتسبت منه تقنيات وأساليب أداء مختلفة، واستمعت كثيراً وعشت الموسيقى في حياتي اليوميّة وأحسستها ومكّنتني من فهم أبعاد الشعوب من خلالها. هذا الأمر جعلني محظوظة طالما ظللت أؤمن بهذه الرحلة التي كونتني وجعلتني أعمل بالموسيقى التي أحبها، وتقع ضمن نطاق خياراتي. لهذا، قلت لك إنّ الموسيقى بيتي الذي أسكن فيه. فقد غنيت كثيراً من القصص بأشكال مختلفة، وهذه الأعمال تختلف من ناحية اللهجات والمقامات والأنواع الموسيقيّة وأشكالها. وإنّما يظلّ الصوت واحداً، رغم أني أحبّ التنوّع وأجد نفسي في كل هذه الأماكن.

في أغنية "بلا ما نحسّ"، يتألق المخرج اللبناني نديم حبيقة في تقديمٍ الأغنية بحلّة أنيقة ومعاصرة. كيف عشت هذه التجربة على المستوى البصريّ؟
كان العمل مع نديم حبيقة اختباراً أكثر من رائع، أتمنى أن يتكرّر. نديم حبيقة مخرج سينمائي استثنائي. أتوقع له نجاحاً كبيراً في حياته المهنية. وأخذ الكليب إلى مكان خاصّ بالصورة وبساطتها، واستطاع أن يعبر عنّي، بما أن الأغنية تحكي عن حبّ من طرف واحد غير معلن، فأراد أن يشرح هذه الحالة من خلال الهالة الضوئية التي تحيط بالإنسان، لأننا لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة، لكنها فعلا موجودة. هذه الهالة تعبّر عن حالة الإنسان بهذا الواضع، إن كان في حالة حب أو اكتئاب أو سعادة أو حزن. فمن خلال الضوء كان يعبّر بالألوان.

المساهمون