بعدما تميّزت بقدرتها على غناء مختلف الأنماط الموسيقية، واستطاعت أن تجول بصوتها على عشرات اللغات والحضارات حول العالم، لتقديم نماذج غنية من موسيقى الشعوب، تعمل الفنانة والباحثة الموسيقية اللبنانية عبير نعمة حالياً على ألبوم غنائي جديد، تسجّل من خلاله محاولةَ خرق للجمود المهيمن على صعيد الإصدارات الغنائية بفعل الأزمات المتتالية التي يشهدها لبنان.
كذلك تستعدّ لعدد من الحفلات الافتراضية التي تأتي في أعقاب أمسيتين بارزتين قدّمتهما أخيراً من قلب بيروت، كتحيّةٍ للمدينة وناسها، قبيل مرور أربعين يوماً على انفجار المرفأ.
تعترف نعمة في مقابلة خاصة أجرتها معها "العربي الجديد"، أن الأمسية التي قدّمتها في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي من كنيسة مار مارون في منطقة الجميزة التي تضرّرت بشدّة جراء انفجار مرفأ بيروت، كانت من الأصعب على الإطلاق بالنسبة لها. تقول: "لم يكن سهلاً الوقوف في هذا المكان الذي كان شاهداً على الانفجار المروّع. ففي تمام الساعة السادسة والسبع دقائق وفي التوقيت نفسه الذي حدث فيه انفجار 4 أغسطس/آب، قرعت أجراس كنيسة مار مارون في الجميزة عند بدء الأمسية التي حملت عنوان "بيروت ترنّم للأمل"، لكنني في تلك اللحظات شعرت أنني عاجزة عن التنفّس، وأن قلبي سيتوقّف، واستعدت في ثوانٍ كل مشاعر الحزن والأسى التي تخالج كل لبناني بعد هذه النكبة الجماعية". وتضيف: "دائماً أشعر بالرهبة قبل تقديم أي حفل موسيقي، ولكنها سرعان ما تتبدّد حالما أشرع بالغناء، أمّا هذه الأمسية بالذات فكانت الأصعب في حياتي".
وبالنسبة إلى الكنيسة التي أحيت فيها هذا الحفل، تقول إنّ "هذا المكان حالة خاصة، فالكنيسة تقع قبالة المرفأ وتضرّرت كثيراً، وسبق أن قدمت فيها حفلات عدة. كذلك هي صورة مصغّرة عن الذي حدث في بيروت، وعن شوارع العاصمة، وكلّ بيت وزاوية فيها".
وترى أنّ "الدمار الذي طاول الحجر وبمقدار ضخامته، إلا انّه يبقى أقل بكثير من الدمار الذي حلّ بالناس، فالإنسان في لبنان مُدمّر. وفي هذه الأمسية، غنينا وصلينا للناس ومعهم، لكي يكون هناك صوت مختلف يُسمع في اللحظة نفسها التي سمعنا فيها صوت الموت منذ شهر". وما بين الترانيم والأعمال الوطنية، نوّعت نعمة في برنامج الأمسية التي شاركت فيها جوقة الجامعة الأنطونية لتقدّم "أغنيات تحكي قصصنا وتعبّر عن وجعنا وتحمل الضوء وتبث الأمل". توضح أنّ هذا الحفل الذي بثّ في شوارع بيروت عبر مكبّرات الصوت، وتم نقله مباشرةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشاشة التلفزيون، "لم يكن احتفالياً، بل كنا نصلّي معاً، فالموسيقى هي اللغة الوحيدة التي أجيد التعبير بها، وهي اللغة التي توحّد الجميع، وشعرت أنّ هذا الحدث جمع الناس فعلاً، ففي ساعة واحدة صلّى كلّ الناس معاً".
وبعد ساعات قليلة على أمسية "بيروت ترنّم للأمل"، شاركت نعمة إلى جانب فنانين من حول العالم في حفل افتراضي مباشر حمل عنوان The Sound of Beirut أو "صوت بيروت"، بمبادرة من تطبيق "أنغامي"، ذهب ريعه لأهالي بيروت المتضررين، وشارك فيه نجوم عرب وعالميون، من أمثال فرانش مونتانا، وريد وان، وذي شاين سموكرز، بالإضافة إلى راغب علامة ومحمد حماقي، ولطيفة،وغسان صليبا. بالنسبة لها "كان لهذه المشاركة من فنانين عرب وعالميين في حفل واحد أهمية كبرى تدلّ على التضامن الواسع مع بيروت وناسها ورسالة أمل، إذ تمثّل إيماناً بقدرتها على النهوض من أحزانها". وتضيف: "كل الحب لهؤلاء الفنانين، وأشكرهم من قلبي، لأنهم أعطوا من وقتهم وصوتهم لهذه القضية، وهذا دليل على أنّ هناك إجماعاً على قضيتنا وحقنا وعلى محبة لبنان وأهله. وكل الشكر لفاعلي الخير وأصحاب الأيادي البيضاء الذين وقفوا إلى جانب لبنان في هذه الأزمة، بعكس مسؤوليه وسياسييه، إضافة إلى شبان وشابات البلد الذين عملوا بأيديهم ورفعوا الركام، وساندوا كل المتضررين".
بدورها، لم تكتفِ نعمة بالغناء لبيروت، بل شاركت أيضاً بالعمل الميداني في مساعدة الناس عبر جمعية ومعهد "فيلوكاليا" مع الأخت مارانا سعد، التي أطلقت مبادرة تستهدف بشكل خاص الأمهات والأطفال لتأمين حاجاتهم الأساسية في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، موضحةً أن "الانفجار فاقم حاجات العائلات التي كانت تعاني أساساً بسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان"، معربةً عن سعادتها وفخرها بالمساعدة إلى جانب هذه "المؤسسة التي تضم أكثر من 60 شابا وشابة، لديهم الاندفاع ليفعلوا المستحيل لمساعدة الناس، إلى جانب فريق كبير من أطباء ومعالجين نفسيين وممرضين".
وترى نعمة أن الأزمة انعكست أيضاً، وبشكل مباشر، على القطاع الفني الذي يعاني بدوره، في ظل غياب الحفلات وتعليق المهرجانات الكبرى في كل العالم، بفعل القيود المفروضة نتيجة تفشي فيروس كورونا، وتكشف عن تحضيرها لحفلات افتراضية تحافظ من خلالها على التواصل مع جمهورها، بعد أن ألغيت حفلات حية عدة كان من المقرر أن تحييها. تقول: "كل شيء توقف في الحياة، وكأننا وضعنا pause للحياة نفسها، فكلّ ما نفكر فيه هو كيف نعيش ونتنفس، وكيف نستفيق من دون أن نكون مصابين بـ"كورونا"، وأن ننظر إلى من حولنا ونرى أنهم بخير".
الأزمة انعكست أيضاً، وبشكل مباشر، على القطاع الفني الذي يعاني بدوره، في ظل غياب الحفلات وتعليق المهرجانات الكبرى في كل العالم، بفعل القيود المفروضة نتيجة تفشي فيروس كورونا
ونعمة التي كانت نشرت أخيراً تسجيلاً بصوتها بعنوان "آخ يا بيروت"، تقول فيه إنّ "الذين رحلوا ليسوا شهداء فقط، بل هم ضحايا إهمال من مسؤولين وسخين مثل الخطية وقبيحين مثل الموت". تقول: "يقتلوننا منذ ثلاثين عاماً ببطء، ولكن هذه المرة كان الانفجار مدوياً، وكان الموت مباشراً وجسدياً، وكل هذا النظام مسؤول بنحو مباشر أو غير مباشر عما حلّ بنا".
تتابع: "أعداؤنا من داخل البيت نفسه، ولا أمل لي إلّا بالإنسان في لبنان وبالشعب اللبناني والشابات والشبان، والصحافيين والفنانين والمتطوعين والأطباء وبأصحاب القيم والأقلام النظيفة والمثقفين، وبالناس الطيبين الذين يفعلون المستحيل لينهضوا وتنهض معهم بيروت، فلا بد من قيامة لهذا البلد من كل أوجاعه ".
أخيراً، تقول نعمة: "كنت في صدد تحضير ألبوم جديد مع شركة الإنتاج العالمية "يونيفرسال ميوزيك"، وكان يتبقى تسجيل أغنية واحدة فقط ليكتمل هذا الالبوم. ومن بين الذين تعاونت معهم في هذا الألبوم، الفنان مروان خوري، والمؤلف الموسيقي أسامة الرحباني، كذلك يضم الألبوم أكثر من عمل من ألحاني. ولكن العمل معلّق حالياً، وفي مرحلة لاحقة سأنهي العمل عليه، وشركة الإنتاج هي من يختار الوقت المناسب لإصداره ".