عام مكبّل بأصفاد الحزب الشيوعي الصيني

31 ديسمبر 2021
خلال اعتقال رئيس تحرير "ستاند نيوز" باتريك لام الأربعاء (أنتوني كوان/Getty)
+ الخط -

واصلت الصين تصدرها لقائمة الدول الأكثر سجناً للصحافيين في العالم للسنة الخامسة على التوالي، حسب منظمة "مراسلون بلا حدود". ففي عام 2021 شنت السلطات الصينية بموجب قانون الأمن القومي الذي أقرته العام الماضي، حملة اعتقالات غير مسبوقة في هونغ كونغ، كما ضيّقت على الفن وشركات التكنولوجيا الصينية والمؤثرين واستمرت بنشر البروباغندا.

سجن وإسكات

طاولت الاعتقالات في هونغ كونغ عدداً كبيراً من الناشطين المؤيدين للديمقراطية، من بينهم 12 عضواً من أعضاء المجلس التشريعي السابق، بالإضافة إلى صحافيين بارزين مثل جيمي لاي الذي أدين بتهمة التحريض والمشاركة في تجمّع غير مصرّح به، إحياءً لذكرى ضحايا أحداث ساحة تيانانمين في 1989. وكذلك تشانغ تشان، المدوّنة التي وثقت تفشي فيروس كورونا والحائزة على جائزة حرية الصحافة لعام 2021. أيضاً شهد هذا العام إغلاق صحيفة "آبل ديلي"، التي تعتبر الأكثر تأثيراً في المستعمرة البريطانية السابقة، والصوت القوي للمعارضة المناهضة للحكومة المركزية في بكين. وكانت السلطات الصينية قد جمدت أصول الصحيفة وحساباتها المصرفية، بتهمة التواطؤ مع جهات أجنبية وتعريض الأمن القومي للخطر، الأمر الذي حال دون قدرة الإدارة على دفع مستحقات الموظفين، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بإغلاق الصحيفة في يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد 26 عاماً على تأسيسها. وكان نشطاء قد صرحوا لـ "العربي الجديد"، آنذاك بأن إغلاق الصحيفة ليس مجرد خسارة للقراء، بل نكسة في تاريخ هونغ كونغ، لأن ذلك يشير إلى تضاؤل هامش الحريات الذي لطالما ميّز الجزيرة وجعلها وجهة مفضلة للمعارضين.

أيضاً بموجب قانون الأمن القومي الذي يعتبر أي أنشطة معارضة للحكومة المركزية عملاً يعزز النزعة الانفصالية في الجزيرة ويهدد أمن واستقرار الدولة، تم رفض تمديد تأشيرات عدد من الصحافيين الأجانب العاملين في هونغ كونغ، من بينهم مراسلة مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية سو لين وونغ. وذكرت إدارة المجلة أنها تلقت إشعاراً من دائرة الهجرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، برفض تجديد إقامة المراسلة الأسترالية دون أن تقدم أي تفسير أو مبررات. وجاء القرار في وقت تصاعد فيه التوتر بين بكين كانبيرا بسبب دعم الأخيرة للحركة المؤيدة للديمقراطية في المنطقة الإدارية الخاصة. 

لم تكن "آبل ديلي" وحيدة في الاستهداف. فالأربعاء الماضي، أغلق موقع "ستاند نيوز" بعدما اعتقلت سلطات هونغ كونغ سبعة إعلاميين فيه، بتهمة تعود للحقبة الاستعمارية هي "نشر مواد تحريضية". واقتيد رئيس تحرير "ستاند نيوز" باتريك لام إلى المبنى الذي يضم مكاتب الموقع، وهو مكبل اليدين بالأصفاد. وبث موقع "ستاند نيوز" مباشرةً عبر فيسبوك لقطات لرجال شرطة الأمن القومي وهم يقفون خارج باب مكتب رونسون تشان، المسؤول في الموقع. وانتقدت سلطات هونغ كونغ مراراً "ستاند نيوز"، حيث اتهمها مدير الأمن كريس تانغ هذا الشهر بنشر تقارير "متحيزة ومشوهة ومشيطنة" عن أوضاع السجون. واعتقلت الشرطة رئيس التحرير السابق لـ"ستاند نيوز" تشونغ بوي-كوين، وفتشت منزله. كذلك اعتُقل أربعة أعضاء سابقين في مجلس إدارة الموقع، بينهم نجمة البوب دنيز هو، والمحامية والنائبة السابقة المؤيدة للديمقراطية مارغريت نغ، وكريستين فانغ، وتشاو تات-شي.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

استهداف القطاع الخاص

شهد عام 2021 استهداف السلطات الصينية لشركات التكنولوجيا العملاقة مثل شركة "تنسنت" بسبب مزاعم تتعلق بانتهاك حقوق الأطفال عبر تطبيق "وي تشات"، وكذلك مجموعة "علي بابا" عملاقة التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى شركات أخرى تهيمن على الترفيه وتجارة التجزئة في البلاد. وكانت صحيفة "إيكونوميك إنفورميشن ديلي" التي تديرها وكالة أنباء "شينخوا" الناطقة باسم الحزب الشيوعي، قد نشرت مقالاً في شهر أغسطس/آب الماضي، تحدثت فيه عن نمو صناعة ألعاب الفيديو في البلاد التي تبلغ قيمتها مئات المليارات، وأشارت إلى سلسلة من التهديدات التي تشكلها على الشباب والمراهقين، وقالت إنه لا ينبغي أن تزدهر أي صناعة على حساب تدمير جيل كامل. 

وكان أستاذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السابق في معهد التعليم العالي والتكنولوجي في هونغ كونغ، دانغ لو، قد صرح لـ"العربي الجديد"، في حينه، بأن استهداف شركات التكنولوجيا يأتي ضمن حملة حكومية منظمة تستهدف القطاع الخاص بذرائع واهية، منها: مكافحة الاحتكار وحماية أمن المستخدمين. وأضاف "منذ وصول الرئيس شي جين بينغ، إلى السلطة عام 2013، سعى إلى كبح نفوذ عمالقة التكنولوجيا على اعتبار أنها تمثل تهديداً لسلطة الدولة والحزب، لكونها تسيطر على المعلومات".

تكنولوجيا
التحديثات الحية

السينما والفن

لم يقتصر قانون الأمن القومي على الصحافيين، بل طاول أيضاً صناعة السينما في الجزيرة، ففي يونيو/حزيران الماضي، أعلن مجلس الرقابة في هونغ كونغ أنه سيفحص أي أفلام مستقبلية، لرصد المحتوى الذي ينتهك قانون الأمن القومي، دون الإفصاح عن المعايير، وأشار إلى أن عرض أي فيلم غير قانوني سيعرّض القائمين عليه لعقوبة السجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.

وفي إجراء مشابه، أعلنت وزارة الثقافة في البر الرئيسي الصيني، أنها ستصدر قائمة سوداء للأغاني المحظورة التي تضم "محتوى غير قانوني"، وجاء في بيان للوزارة نُشر في أغسطس/آب الماضي، أن القائمة ستتضمن كل ما يعرّض الأمن والوحدة الوطنيين للخطر، أو يحرض على الكراهية العرقية، أو يروج للطوائف والمقامرة والجريمة. ولم يوضح البيان كيف يمكن أن تهدد الأغاني الأمن القومي. غير أن السلطات تواصل استبعاد الأغاني التي تصنفها "غير مناسبة سياسيا" من جميع المنصات المحلية الخاصة ببث الموسيقى والأغاني الشعبية.

هذا التشديد، دفع عدداً من الفنانين إلى مغادرة البلاد بحثاً عن هامش من الحقوق والحريات، ولعل أبرزهم الفنان المعارض كايسي وونغ، الذي فر من الجزيرة في يوليو/تموز الماضي، باتجاه تايوان. ويعتبر كايسي وونغ من أشهر فناني هونغ كونغ، وقد عُرف بأعماله التي تنتقد قادة الحزب الشيوعي وترفض  هيمنة الصين على المنطقة الإدارية الخاصة التي تتمتع بحكم ذاتي بموجب صيغة "دولة واحدة ونظامان".

أيضاً شهد عام 2021 تشديد الخناق على المؤثرين، أمثال نجم البوب الصيني الشهير كريس وو، الذي اعتقل مطلع أغسطس/آب الماضي، للاشتباه بارتكابه جرائم اغتصاب. غير أن مراقبين رأوا أن عملية الاعتقال لها علاقة مباشرة بتوجيهات الرئيس الصيني شي جين بينغ، بشأن تعزيز قيم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بين جيل الشباب، خصوصاً في ظل موجة تغريب المجتمع الصيني، وميل الشباب نحو التقليد الأعمى للثقافة الغربية. ويعتبر كريس وو الذي يحمل أيضاً الجنسية الكندية، واحداً من أكثر الفنانين شعبية في الصين، ولديه تأثير كبير على الشباب الذين يقلدونه في مظهره وثيابه وأزيائه الغريبة عن التقاليد الصينية. وفي تعليقها على الحادثة، قالت صحيفة "الشعب" اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، إن الجنسية الأجنبية ليست تعويذة، وإنه لا توجد حصانة لأي شخص بغض النظر عن مدى شعبيته وشهرته، ومن يخالف القانون الصيني سيعاقب.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

بروباغندا مينغ وانتشو

خلال 2021، أطلق سراح المديرة المالية لشركة "هواوي"، مينغ وانتشو، من قبل السلطات الكندية، بعد التوصل إلى اتفاق مع المدعين الأميركيين في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، لتسوية التهم الموجهة إليها، حيث كانت رهن الإقامة الجبرية في كندا منذ نحو ثلاث سنوات بسبب مزاعم بالتخطيط لاستخدام النظام المصرفي العالمي من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. وحظيت المديرة المالية باستقبال الأبطال في بلدها، حيث أفردت صحف حكومية في الصين مساحة كبيرة للحديث عن حيثيات عملية الإفراج ونسب الفضل إلى قادة الدولة. وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" إنّ قضية مينغ وانتشو كشفت للعالم مدى وحشية الطرق التي تتبعها الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها السياسية، وإنها ستبقى وصمة عار في تاريخها الحديث.

وعن الاحتفاء الصيني غير المسبوق بهذا الحدث، قالت أستاذة العلاقات العامة في جامعة تيانجين، تسو لينغ، متحدثة لـ "العربي الجديد"، إنّ "ذلك من ثمار جهود استمرت ثلاث سنوات في التعبئة الشعبية من خلال وسائل الإعلام المحلية، وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث كان من المهم توعية الشعب الصيني بقضية مينغ وانتشو وخلفيتها السياسية".

منجل الشيوعية

حول حصاد هذا العام، قال الناشط الحقوقي جيانغ براون، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ الصين مستمرة في التضييق على الحقوق والحريات، سواء في البر الرئيسي أو في جزيرة هونغ كونغ، وأضاف أن قانون الأمن هو بمثابة منجل لاستئصال أي معارضة. وقد انعكس ذلك، حسب قوله، على نتائج انتخابات المجلس التشريعي في المدينة، والتي أجريت في العشرين من ديسمبر/كانون الأول، وتم خلالها استبعاد جميع المعارضين، سواء بالاعتقال التعسفي، أو بموجب التعديلات الدستورية التي أجرتها بكين لخدمة مصالحها. ولفت جيانغ براون إلى أن العام الحالي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي، وبالتالي كانت هناك رغبة من قادة الحزب لإظهار فائض من البطش القوة، وإيصال رسالة مفادها بأنه لا مستقبل ولا حياة خارج المنظومة الاشتراكية والقيم الماركسية، معتبراً أن من دفع ثمن الجرعة الزائدة من انتهاك الحقوق والحريات في الصين هذا العام، هم الصحافيون والفنانون والنشطاء المؤيدون للديمقراطية.

يشار إلى أن هونغ كونغ تراجعت خلال عام 2021 في الترتيب السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، حيث حلت في المرتبة 80 بعد أن كانت في المرتبة 18 عام 2002، بينما جاءت الصين في المرتبة 177 من أصل 180 دولة مصنّفة.

المساهمون