طفل السجائر الإلكترونية... لذة من دون رماد

09 أكتوبر 2023
ينظر إلى السجائر الإلكترونية على أنها وسيلة للإقلاع عن التدخين (مايكل م. سانتياغو/ Getty)
+ الخط -

تشكّل صورة الطفل (أي طفل) وهو يدخن رعباً وهلعاً عالمياً، كون تدخين السجائر، وعلى الرغم من كل محاولات الدفاع عنه، ما زال "وباء" يجتاح العالم. صورة الطفل المدخن أشبه بعلامة على فشلنا في ضبط أنفسنا كبشر نسعى إلى تدمير أنفسنا. هذا الجدل حول صورة الطفل المدخن، نتلمسه مثلاً في صورة "آماندا وقريبتها آيمي"، التي التقطتها المصورة الأميركية ماري آلن مارك عام 1990، وتظهر فيها آماندا تدخن سيجارة وهي بعمر الـ9 سنوات. ذات الأمر مع صورة الطفل الإندونيسي ألدي ريزال، الذي اشتهر عام 2010 بوصفه الطفل الوحيد في العالم الذي يبلغ من العمر سنتين، ويدخن 40 سيجارة في اليوم.
حالياً، عادت صورة الطفل الذي يدخن إلى الواجهة، لكن هذه المرة، العدو ليس السجائر التقليدية، بل تلك الإلكترونيّة، ذات النكهات الجذابة للأطفال والمراهقين حسب منتقديها. فضلاً عن أن إمكانية شرائها من دون أن تحوي النيكوتين جعلتها جذابة أكثر، إلى حد منع العديد من أنواعها (خصوصاً تلك ذات طعم الحلويات التي تستخدم لمرة واحدة) في فرنسا وأميركا وكندا، كما حصل مع سجائر JUUL التي منعت عام 2022، بل إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نفسه تحدث عن ضرورة منعها لمحاربة هذه الظاهرة. 
اتهمت علامة JUUL بترويج منتجاتها للمراهقين والأطفال. وفي النهاية، حكم عليها بأن تدفع 440 مليون دولار. القلق، إذن، هو ما حرك الدعوى، وليس المخاطر الصحية التي لا نعرفها. وهنا يظهر دور نظريات المؤامرة، عن انفجار السجائر الإلكترونيّة، وتسببها بضباب في الدماغ. أي يمكن القول إن صورة الطفل الذي يدخن السجائر الإلكترونية لم تكشف بعد عن وجهها المأساوي، وهنا بالضبط المريب، بما أننا "لا نعرف" فلا مانع من تصنيعها وبيعها، و"الثمن" يدفع لاحقاً، بعد فوات الأوان.
غياب معلومات دقيقة عن السجائر الإلكترونية وضررها/نفعها، والنظر إليها كوسيلة للإقلاع عن التدخين، هو ما أكسبها انتشارها. لكن، وكحال أي شركة تريد الربح، هناك فئة كبيرة من المستهلكين لم تستهدفها هذه السجائر، ألا وهي غير المدخنين، وهذا بالضبط ما يكشف روح الرأسمالية. الرهان على "الوعد" بالإقلاع عن التدخين، ترافق مع دراسة سوق جديد لا بد من اكتشافه، إذ لا يكفي أن تقام مسابقات وبطولات للتدخين، لا بد من جذب المزيد، وهنا بالضبط الإشكاليّة الرأسمالية، الوجه المشرق للوعد بـ"فرد غير مدخن"، يقابله وجه مرعب لـ"طفل يدخن سيجارة إلكترونيّة"، وهنا ظهر مصطلح "وباء السجائر الإلكترونيّة" هذا العام في بريطانيا، بسبب إقبال المراهقين الشديد على هذه السجائر. 
الجانب الآخر المرتبط بـ"التسويق" للسجائر الإلكترونية لا يتعلق بلون غلافها الجذاب أو طعمها القريب من الحلويات، بل بـ"نمط الحياة الصحي"، تلك المقولة التي ارتبطت بها وأغوت الأجيال الجديدة التي ترى في التدخين أمراً شديد "التخلف". وهنا راهنت السجائر الإلكترونية على غياب الأبحاث العلمية الحاسمة عن أضرارها، لتتبنى مفهوم الحياة الصحيّة، بوصفها جزءاً منه وعلامة على الحفاظ على الجسد من القطران الذي تحويه السجائر العادية.  
ضمن السياق السابق، تظهر صورة المراهق أو الطفل الذي يدخن السجائر الإلكترونيّة بوصفها علامة على قدرة الرأسمالية على مواكبة الزمن، وضبط إيقاعه بما يتيح لها سوقاً أكبر يتناسب مع "القيم الجديدة" للعصر.

اللافت أن نظريات المؤامرة تشير إلى المنافسة بوصفها سبب كل هذه الهجمة على السجائر الإلكترونيّة، إذ تتهم شركات التبغ العملاقة بأنها من تحاول القضاء على هذا المنافس الجديد للحفاظ على هيمنتها على السوق، خصوصاً أن السجائر الإلكترونية التي تنتجها شركات التبغ، لم تنل الرواج الكافي، عدا "إيكوس" التي تمتلكها فيليب مورس، تلك التي لا تحمل خصائص السيجارة الإلكترونيّة التقليديّة، بل أشبه بامتداد للسجائر. وهنا ربما وقعت شركات التبغ في الفخ، إذ لم تروج لمنتجاتها كبديل صحي، بل كسجائر تحوي نيكوتين ومن دون رماد.

المساهمون