أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الثلاثاء عن مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة، الزميل الصحافي ضياء الكحلوت، بعد اعتقال دام عدة أسابيع.
في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي ضياء الكحلوت مع عشرات الفلسطينيين من مدينة بيت لاهيا، شمالي القطاع. ومنذ ذلك اليوم، انقطعت أخبار الكحلوت بشكل نهائي، ورفض الاحتلال الكشف عن مكان اعتقاله أو إعطاء أي تفاصيل عن وضعه الصحي.
ضياء الكحلوت يتحدّث عن ظروف اعتقاله
بعد الإفراج عن الزميل ضياء الكحلوت اليوم، قال لـ"العربي الجديد" إنه منذ اللحظة الأولى للاعتقال كانت إجراءات قوات جيش الاحتلال "قاسية وصعبة لدرجة لا توصف". وأضاف: "لحظة اعتقالي، تجمع حولي جنود إسرائيليون وقالوا: Journalist (صحافي) أكثر من مرة، قبل أن يكمموا فمي بلاصقة كي لا أتكلم، وكانوا يستهزئون بالصحافيين وعملهم".
وأوضح أنه تعرض للضرب وللتعذيب بأسلوب "الشبح" مرات عدة، وتحديداً من جهاز الشاباك.
وأفاد الكحلوت بأنه أمضى 25 يوماً من أيام اعتقاله الـ33 جالساً على ركبتيه، و"هذا أشد عقاب تعرضت له". وأفاد بأن ظروف اعتقاله وفلسطينيين آخرين كانت غير إنسانية، وواجهوا أيضاً تعذيباً غير مباشر وإهانات.
وبيّن الكحلوت أن قوات الاحتلال ركزت خلال التحقيق معه على عمله الصحافي مع "العربي الجديد"، وتحديداً تقارير نشرتها الصحيفة عام 2018، حين تصدت وحدات من حركة حماس لوحدة خاصة من "سييرت متكال" (سرية الأركان) تسللت شرقي خانيونس في قطاع غزة، مما أدى إلى مقتل قائدها وإصابة آخرين.
وكان الزميل ضياء الكحلوت محتجزاً في معتقل داخل معسكر لجيش الاحتلال قرب معبر كرم أبو سالم.
وأفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن الكحلوت عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. وقد مكث لوقت قصير في خيمة تابعة للأمم المتحدة في الجانب الفلسطيني قبل نقله إلى المستشفى للاطمئنان على وضعه الصحي.
ودعا "العربي الجديد" على مدار الأسابيع الماضية كل المؤسسات الحقوقية والدولية الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن الكحلوت. وتجاهل الاحتلال كل المطالبات الدولية للإفراج عن الكحلوت، خصوصاً في ظل تدهور وضعه الصحي بحسب ما نقله فلسطينيون اعتقلوا معه، ثم أفرج عنهم لاحقاً وأعيدوا إلى قطاع غزة.
الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحافيين في غزة
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 111 صحافياً في القطاع، آخرهم حمزة وائل الدحدوح ومصطفى ثريا وعلي سالم أبو عجوة وعبد الله إياد بريص، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي.
وخلال الفترة نفسها، قتلت قوات الاحتلال جنوب لبنان الصحافيين عصام العبد الله (وكالة رويترز) وفرح عمر وربيع معماري (قناة الميادين).
قتل الصحافيين يأتي كترجمة فعلية لسياق أوسع من ترهيب وإسكات كل الأصوات في غزة. إذ حاولت إسرائيل طمس الحقيقة والتعتيم على حرب الإبادة، من خلال خطوات مختلفة، تتمحور في أغلبها حول منع الصحافيين من العمل. وقد رصدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين في تقريرها السنوي لعام 2023 الجرائم الإسرائيلية التي تراوحت بين القتل والاعتقال وتدمير المقرات، ومصادرة المعدات، في غزة بشكل خاص، وكذلك في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، خلال مؤتمر صحافي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي: "لا نملك حتى الآن أي مؤشرات" على أن إسرائيل "تتعمد استهداف الصحافيين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب".
الإفلات من العقاب
حتى الآن، لم يحاسب الاحتلال الإسرائيلي على أي من جرائمه بحق الصحافيين الفلسطينيين.
وقد دعا الاتحاد الدولي للصحافيين الحكومة الإسرائيلية، في أكتوبر، إلى الالتزام الكامل بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والعمل على منع ارتكاب أي جرائم بموجب القانون الدولي والتحريض عليها، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وقال الأمين العام للاتحاد، أنطوني بيلانجي، في أكتوبر: "يجب على أولئك الذين يشنون الحرب أن يحترموا القانون الدولي، مهما كانت شدة الحرب وخطورتها. ومن غير المقبول على الإطلاق أن تحاول الحكومة الإسرائيلية إعفاء نفسها من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي... تستند مهنة الصحافة إلى حق كل فرد في الوصول إلى المعلومات والأفكار، وهو حق تم التأكيد عليه في المادة الـ19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويجب على إسرائيل أن تحترم ذلك".
وقد أفادت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها الولايات المتحدة، بأن الأسابيع العشرة الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هي "الحرب الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة إلى الصحافيين"، مع تسجيل أكبر عدد من الشهداء الصحافيين خلال عام واحد في مكان واحد. وأشارت لجنة حماية الصحافيين إلى أنها "قلقة على وجه التحديد إزاء وجود نمط واضح لاستهداف الصحافيين وأسرهم من الجيش الإسرائيلي".
في مايو/ أيار الماضي، أصدرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً عنوانه "نمط فتاك: 20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة من دون أن يُحاسَب أحد"، انطلقت فيه من جريمة قتل شيرين أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ عام 2001، ووجدت "نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية. فقد أخفقت إسرائيل في إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبياً، أو عندما يكون الصحافي القتيل موظفاً لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد، واستغرقت أشهراً أو سنوات، وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران".
وأعلنت منظمة مراسلون بلا حدود، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، في ديسمبر، أنها "قدمت شكوى ثانية إلى المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية مقتل 7 صحافيين فلسطينيين في غزة، بين 22 أكتوبر و15 ديسمبر". وحثت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان "على التحقيق في جميع حالات مقتل الصحافيين الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر". ومن بين الصحافيين الشهداء الذين وردت أسماؤهم في الشكوى: مصور وكالة الأناضول منتصر الصواف، والصحافي في إذاعة النجاح عاصم البرش، وبلال جاد الله من بيت الصحافة الفلسطيني، ورشدي السراج، وحسونة سليم من وكالة أنباء القدس، والمصور الصحافي في قناة قدس نيوز ساري منصور، والمصور في قناة الجزيرة سامر أبو دقة.
كانت "مراسلون بلا حدود" قد أعلنت، في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنها رفعت شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب "جرائم حرب" بحق صحافيين خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، "تتضمّن تفاصيل حالات 9 صحافيين قتلوا منذ السابع من أكتوبر (8 فلسطينيين، وإسرائيلي)، واثنين أصيبا في أثناء ممارسة عملهما".