ضجيجٌ غير نافع فساندرا بولوك تستحقّ الجائزة

25 اغسطس 2023
ساندرا بولوك: أي حزنٍ أي تحدّ أي جمال؟ (Getty)
+ الخط -

 

حملةٌ ضد ساندرا بولوك، تُطالب بسحب جائزة "أوسكار" منها، تنالها في النسخة الـ82 (7 مارس/ آذار 2010) عن دورها في "الجانب الخفيّ (The Blind Side)"، الذي يُنجزه جون لي هانكوك عام 2009. هذه تبدأ بعد اكتشاف مايكل أور (1986)، اللاعب السابق في كرة القدم الأميركية، أنّ من يظنّ طويلاً أنّهما والداه بالتبنّي، هما وصيّان عليه، ما يُتيح لهما مراكمة أموالٍ كثيرة بفضله، من دون منحه شيئاً يُذكر. الفيلم سردٌ لحكايته المعروفة حينها، والمكشوف لاحقاً يدفع أور إلى التقدّم بدعوى قضائية لرفع الوصاية، المستمرّة إلى الآن، عنه (هناك ملايين الدولارات الأميركية لدى الوصيّين عليه وأولادهما البيولوجيين، تُعتبر حقّاً له).

الحملة تُحمّل بولوك مسؤولية "أخلاقية"، وقائمون/ قائمات بها يرون أنّها عارفةٌ بذلك، لذا عليها التخلّي عن الجائزة. الحكاية برمّتها مُتداوَلة في صحف ومجلات ومواقع إلكترونية مختلفة، والخبر الأصلي يقول إنّ الحملة منطلقةٌ بعد وقتٍ قليلٍ على رحيل شريكها، براين راندل (57 عاماً)، في 5 أغسطس/ آب 2023، بعد مواجهةٍ طويلة لـ"مرض شاركوت" (التصلّب الجانبي الضموريّ، كترجمة حرفية لـ Amyotrophic Lateral Sclerosis)، أحد أكثر أمراض الخلايا العصبيّة الحركية شيوعاً. كوينتن آرون (1984)، مؤدّي شخصية أور في فيلم هانكوك (1956) "يتمرّد" على من يطالب بنزع "أوسكار" من بولوك، قائلاً إنّ الممثلة غير مستحقّة أنْ تخسر جائزتها تلك (Le Journal De Montreal، في 16 أغسطس/ آب 2023).

 

 

غير مهمّ معرفة موقف ساندرا بولوك (1964) من الحملة، فالحزن على شريك حياة غالبٌ، والانسحاب من الحياة العامّة في نحو عامين يُفسَّر خطأ، والموت كاشفٌ للحقيقة. لكنّ تساؤلات تُطرح: هل يُفترض ببولوك التخلّي عن جائزة تستحقها، لأنّ قصة الفيلم غير صحيحة، بل كاذبة بسبب كذب أناسٍ لا علاقة لها بهم إطلاقاً؟ هل تتحمّل الممثلة، فعلياً، مسؤولية ما يحصل مع مايكل أور؟ أإلى هذا الحدّ يُختَلط على أصحاب الحملة بين فيلمٍ يستند إلى المُتَداوَل حينها، وحقائق تنكشف بعد 14 عاماً على إنجازه؟ ما سبب تلك الحملة أصلاً، لا تلك التي يقول بها أصحاب الحملة، ظنّاً منهم/ منهنّ أنّ مطالبتهم بسحب الجائزة من بولوك دفاعٌ عن حقّ مهدور لأور؟ أهكذا يُدافَع عن حقٍّ، واضحٌ أنّ صاحبه الأصليّ يجهد في استعادته عبر وسائل أنجع وأهدأ وأقدر على استعادته؟

مُطالبة الممثلة بالتخلّي عن جائزتها، أو سحبها منها، أسهل تعبيرٍ عن "سخطٍ" إزاء واقع ينكشف حديثاً، ويتطلّب معالجاتٍ غير شعبوية وغير انفعالية وغير متسرّعة، والمُطالبة نفسها شعبوية وانفعالية ومتسرّعة. لكنْ، إنْ يحدث هذا (استعادة الجائزة أو التخلّي عنها)، ألن يجدر عندها المطالبة بسحب جوائز من سينمائيين وسينمائيات "يُبدعون" في أفلامٍ تروي سِيَر قتلة وسفّاحين وفاسدين، في السياسة والأمن والعصابات والمجتمع والمؤسّسات المدنية والدينية المختلفة، ومعظم تلك الأفلام الرائعة غير مشيطنةٍ الشخصيات المُجرمة، بل تتعامل معها كأناسٍ بشريين؟ ألن يُصبح، في حالةٍ كهذه إنْ تحصل، مشروعاً سحب جائزة "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي (النسخة الـ77، في 27 فبراير/ شباط 2005) من "السقوط" (2004) لأوليفر هرشْبيغل (1957)، مثلاً، لتقديمه أدولف هتلر (1889 ـ 1945)، بأداءٍ رائع وآسر لبرونو غانز (1941 ـ 2019)، في صورةِ بشريٍّ آدميّ إنساني؟ (هناك أمثلة كثيرة في الإطار نفسه).

هذه حملة لا فائدة منها إطلاقاً. لكنّها مؤذية، معنوياً على الأقل، وتدلّ على شعبوية أناسٍ يستسهلون حملاتٍ كهذه، بعد اختراعهم معارك "من أجل لا شيء".

المساهمون