صلاة إسلامية في قصر العدل في فرنسا: خدعة الصورة

23 يناير 2023
يقدّم محتوى تحريضياً على صفحته (فيليب هوغن/فرانس برس)
+ الخط -

"معاً، سنستمرّ في الدفاع عن فرنسا وعن مستقبل أولادنا"، بهذه العبارة يستقبل الشاب داميان ريو زوّار موقعه الإلكتروني. شعارٌ جميل يُشبه عبارات تجد بشكل مستمرّ مكانها في الفقرة الأخيرة من كلّ خطاب سياسي. ولكن من هو داميان؟ ولماذا نتحدّث عنه؟ وما هو هذا الخطر الذي يلتفّ حول عنق البلاد، بالشكل الذي يُضطرّه لإعلان التعبئة والتوجّه إلى الصفوف الأماميّة؟
داميان ريو مواطن فرنسي، يُعرّف عن نفسه بالتالي: "سيرتي بديهيّة للغاية: هي سيرة الآلاف من الشباب الفرنسيين الذين نشأوا كأقليّة في بلدهم". في الصورة الشخصية المرافقة للتعريف، نرى شاباً أبيض البشرة بعينين زرقاوين، يرتدي بدلة كحليّة اللون وربطة عنق خضراء لامعة. أقليّات؟ لا أحد أكيد من حسن توظيف الكلمة. 
داميان ريو حاضر في العمل السياسي، وأكثر تحديداً في صفوف اليمين المُتطرّف، وقد كان مرشّحاً للانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة على لوائح حزب إريك زيمور (المرشح السابق للرئاسة الفرنسية). مناسبة الحديث عن الشاب هو نشاطه (المكثّف جداً) على موقع تويتر، وتحديداً في الأسابيع الأخيرة، وذلك مع إغراقه الموقع بصور لأشخاص يقول إنهم "مسلمون" ويقومون بتأدية الصلاة في الأماكن العامة (مترو، قاعات تدريس... إلخ)، أو لنساء يرتدين الحجاب... وأطلق لهذه المناسبة أو "موجة الكراهية" هاشتاغ خاص، لعلّ آخرين من أقصى اليمين يودّون المشاركة أيضاً Salatchallenge# أو MuslimGo#. 
إلقاء نظرة على محتواه يُعطي انطباعاً أن ريو يُخصّص حسابه ووقته على "تويتر" لنشر صور وفيديوهات لأشخاص جرى تصويرهم خلسةً في الحيّز العام. صور لا يُمكن التأكد من صحتها. وهذا ليس مجرّد انطباع، إنها الحقيقة، فتعريف حساب داميان يبدأ بـ"مُبلّغ" (بالفرنسية Lanceur d’alertes). 
ما جعل من منشورات الشاب حديثاً للصحافة الفرنسية، في الأيام الأخيرة، هو نشره صورة ادّعى أنها لشخص يُصلّي داخل قصر العدل الجديد في العاصمة باريس. ليتبيّن، في وقت لاحق، أنه تعرّض لخديعة مقصودة هدفت لإثبات عدم تحقّقه من المحتوى الذي ينشره على حسابه، وأنه يقوم بنشر كل ما يصل إلى صندوق بريده.

الصحافي الذي أرسل له الصورة، كوري لو غوان، يعمل صحافياً حرّاً في فرنسا وتلاحق عمله علامات استفهام عدة (أُدين أكثر من مرة وسبق له ان انتحل صفة ابن شقيق زوجة الرئيس الفرنسي بريجيت ماكرون)، لكنه نجح في لعبته وأصاب الهدف. التقط صورة لنفسه وهو يأخذ وضعية السجود وأرسلها إلى صندوق بريد داميان ريو. قام الأخير بنشرها مع عبارة "في صالة غير مستخدمة في قصر العدل الجديد في باريس". صورة تملك كل مقومات النجاح: مسلم يضرب بعرض الحائط مؤسسات الدولة، وتحديداً العدالة، ويمارس طقوسه الدينية من دون خجل في دولة علمانية. لكن سرعان ما قام الصحافي كوري لو غوان، صاحب الفكرة، بنشر فيديو هذه المرّة من نفس المكان، وينطلق من نفس وضعيّة السجود التي في الصورة ويتقدّم سريعاً باتجاه الهاتف الموضوع في نفس زاوية الصورة ويقول "مرحبا داميان، اسمي كوري، أشقر، من أصول فرنسية، كاثوليكي وأيضاً صحافي، وأردت أن أثبت من خلال هذا الفيديو القصير أنك تسخر من الجميع. أتقدّم باعتذاري إلى جميع المواطنين المسلمين والمسلمات". 

@spirounf ♬ son original - spirouu

حقق الفيديو خلال ساعات ملايين المشاهدات، ولكن بعد أيام، جعل كورين من حسابه على تويتر حساباً خاصاً، وهذا على الأرجح يعود إلى المساحة التي أخذها الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعي. داميان ريو، بطبيعة الحال، وبعد انتشار الفيديو بسرعة خيالية، قام بحذف منشوره ونشر تغريدة  يتساءل فيها "هذا ممتع، لقد نجحت اللعبة، ولكن هل يمكنك أن تشرح لي كيف يُمكن لهذا أن يُثبت عدم صحّة الصور والفيديوهات الأخرى المنشورة؟". 

 

المساهمون