تقول الحكاية إن شعر ماري أنطوانيت تحول إلى اللون الرمادي بين عشيةٍ وضحاها، قبل قطع رأسها في عام 1791. إلا أنَّ ذلك غير صحيح، أو على الأقل غير دقيق علمياً، فالشعر الذي نما خارج البصيلات لا يتغير لونه. وعلى الرغم من أنه قد يبدو بديهياً أن الضغط النفسي يمكن أن يؤدي إلى تسريع الشيب، فقد يكون من المفاجئ أنَّ التخلص منه قد يعيد للشعر لونه الطبيعي.
في دراسة نُشرت على موقع elife، قدم علماء من جامعة كولومبيا، أول دليلٍ يربط بين الإجهاد النفسي وتغير لون الشعر، كما وتأتي دراستهم بأدلة تنافي ما خلصت إليه دراساتٌ أخرى، تقول إن شيب الشعر ناجم عن الإجهاد النفسي الدائم.
على مدار عقود، أجرى العلماء الكثير من الدراسات لفهم الأسباب وراء تحول لون الشعر إلى الأبيض أو الرمادي، فإلى جانب كونه لا مفرَّ منه مع التقدم في العمر، إلا أنَّه لا يحدث لهذا السبب فحسب. هناك الكثير من الأسباب والعوامل التي تؤدي لشيب الشعر. كانت هناك حالةٌ "غريبة" وجدها العلماء عام 1972، عند رجلٍ شائب، فبينما كانت معظم خُصلات شعره إمَّا سوداء أو بيضاء، وُجِدت ثلاث خصلات من شعره بيضاء من الأطراف، وسوداء بالقرب من الجذور، ما يشير إلى انعكاسٍ في عملية تحول الشعر إلى الأبيض، فالشيب يحدث أولاً من الجذور وصولاً إلى الأطراف وليس العكس.
أجرى العلماء الكثير من الدراسات لفهم الأسباب وراء تحول لون الشعر إلى الأبيض، إذ إنه لا يحدث بسبب التقدم في العمر وحسب
افترض العلماء أنَّه إذا كان من الممكن حساب تمدُّد الشيب في الشعر، فقد يكون من الممكن تحديد الفترة التي تبدأ فيها مرحلة الشيخوخة بالظهور. قاموا بالبحث عن ذوي الشعر الشائب جزئياً، من خلال الإعلانات المحلية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكنوا من جمع 14 شخصاً لدراستهم، كانت أعمارهم تتراوح ما بين 9 و65 عاماً، وكان لجميع المشاركين خصلات شعرٍ بلونين (اللون الأبيض أو الرمادي واللون الطبيعي)، كما كانت هذه الخصلات في أماكن متفرقة من أجسام المشاركين، وليست في فروة الرأس فقط.
ثم طوروا تقنيةً لقياس التغيرات في لون الشعر، وذلك من خلال تحديدِ "نمط تصبغ الشعر" على طول كل خصلة، وكانت نتائج قياسهم تثير الدهشة، إذ وجدوا أن 10 أشخاص من بين 14 شخصاً شاركوا في الدراسة، قد استعاد الشعر لديهم لونه الطبيعي، ولم يكن ذلك في فروة الرأس، بل أيضاً في شعر العانة.
تتقدم خلايا الإنسان بطريقةٍ متعددة الخطوات، حيث يبدأ بعضها بإظهار علامات الشيخوخة في عمرٍ مبكر أكثر من غيره، بالنسبة لخلايا الشعر، يبدو ذلك جلياً عند تحول لونه، إذ لا يتحول كامل الشعر إلى اللون الأبيض في نفس الوقت، ويبدأ من الجذر وصولاً إلى الأطراف. يبدأ معظم الناسِ بملاحظة الشيب لديهم في الثلاثينيات من العمر. وفي هذه الفترة، عندما يكون قد بدأ الشيب للتو، ربما تكون العملية أكثر قابليةً للعكس، ووفقاً للعلماء معدي الدراسة، فإن أولئك الذين لديهم شعرٌ أبيض في كامل الرأس، من المفترض أن عملية التحول قد وصلت إلى "نقطة اللاعودة"، لكن يبقى الاحتمال أن بعض بصيلات الشعر قد تظل قابلةً للتغيير.
تتقدم خلايا الإنسان بطريقةٍ متعددة الخطوات، حيث يبدأ بعضها بإظهار علامات الشيخوخة في عمرٍ مبكر أكثر من غيره
استناداً إلى أبحاثٍ سابقة تقول إن الضغط النفسي قد يسرع من الشيخوخة لدى الأشخاص، قام العلماء بدراسة العلاقة بين شيب الشعر والعوامل النفسية. ففي مجموعة فرعية صغيرة من المشاركين، حدَّد الباحثون الأجزاء في شعرةٍ واحدة، حيث حدثت تغيرات في أنماط التصبغ، ثم قاموا بحساب الأوقات التي حدثت فيها هذه التغيرات باستخدام متوسط معدل النمو المعروف لشعر الإنسان، والذي يبلغ حوالي سنتيمتر واحد في الشهر، وقدم المشاركون أيضاً معلوماتٍ عن أهم الأحداث التي مروا بها على مدار العام، وقد كشف التحليل أن الأوقات التي حدث فيها الشيب أو الانعكاس، تزامنت مع فترات من الإجهاد أو الاسترخاء النفسي الكبير.
في إحدى الحالات، عند رجلٍ يبلغ من العمر 35 عاماً بشعرٍ بني، خضعت خمس خصلاتٍ من الشعر لانعكاس الشيب تزامناً مع إجازةٍ قضاها لمدة أسبوعين، وفي حالةٍ أخرى، امرأة تبلغ من العمر 30 عاماً بشعر أسود، كانت لديها خصلةٌ واحدة -شائبة جزئيا- نما الشيب بالتزامن مع ظروفٍ صعبة عايشتها على مدار شهرين، حيث انفصلت خلالها عن زوجها وانتقلت لتعيش في مكان آخر، وهي أصعب فترة لها خلال عام على حد وصفها.
قام العلماء بدراسة عدد قليل من الأفراد، كما استندت نتائج دراستهم إلى البيانات التي قدمها المتطوعون لهم. يرى الفريق أن هناك حاجةً إلى المزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج، وتتمثل خطوتهم التالية في النظر بعنايةٍ أكبر إلى العلاقة بين العوامل النفسية وشيب الشعر، من خلال تتبع المشاركين خلال فترةٍ زمنية محددة وفحص التغيرات في مستويات الشعر والحالة النفسية بشكلٍ متزامن، بدلاً من استعلام المشاركين عن أحداث عايشوها في الماضي.