استمع إلى الملخص
- دراسة من جامعة بولونيا أظهرت أن الأختام الأسطوانية كانت ضرورية للممارسات الإدارية، حيث ساهمت في الأمان والشرعية، وكانت لها دور أساسي في تشكيل مفردات بصرية أثرت على الكتابة المسمارية.
- خلال فترة أوروك، أصبحت المدينة مركزاً حضارياً بفضل موقعها الاستراتيجي، وساهمت الأختام في تعزيز النفوذ الإقليمي وتجسير الفجوة بين التواصل البصري واللغة المكتوبة.
تعود أصول الكتابة في بلاد ما بين النهرين إلى الصور المطبوعة على أختام أسطوانية قديمة على ألواح طينية وغيرها من القطع الأثرية. في دراسة جديدة نشرت يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في مجلة أنتيكويتي (Antiquity)، حددت مجموعة بحثية من جامعة بولونيا سلسلة من الارتباطات بين التصميمات المنقوشة على هذه الأسطوانات، التي يعود تاريخها إلى نحو ستة آلاف عام، وبعض العلامات في النص المسماري البدائي الذي ظهر في مدينة أوروك الواقعة في ما يعرف الآن بجنوب العراق، قرابة 3000 قبل الميلاد.
تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، سيلفيا فيرارا، أستاذة اللغة الكلاسيكية والدراسات الإيطالية في جامعة بولونيا، إن الكتابة المسمارية الأولية ظهرت في مدينة أوروك الواقعة في جنوب العراق الحالي، نحو 3350-3000 قبل الميلاد. الخط المسماري القديم أحد أوائل أنظمة الكتابة، وطُوّر لتلبية الاحتياجات الإدارية المتزايدة للمدن القديمة، وفقاً للباحثة في تصريحات لـ"العربي الجديد".
"في البداية، اعتمدت المجتمعات القديمة في بلاد ما بين النهرين على الرموز والأختام، مستخدمة الألواح الطينية والكرات الطينية لتوثيق المعاملات والحفاظ على السجلات. وضعت هذه التقنيات المبكرة الأساس لنظام قائم على الرموز قادر على تمثيل المعلومات المعقدة، مثل حركة البضائع، والأدوار الاجتماعية، والممارسات الدينية"، تقول فيرارا.
وفقاً للدراسة، فإن الأختام الأسطوانية، التي كانت محفورة بأنماط مختلفة وتدحرج على الأسطح الطينية، كانت ضرورية للممارسات الإدارية في ذلك الوقت. كانت هذه الأختام تستخدم لتأمين الحاويات، وتحديد الملكية، وتسجيل المعاملات، ما يوفر مستوى من الأمان والشرعية.
حدّد الباحثون أوجه التشابه الرمزية بين هذه الرموز الختمية ما قبل الكتابة وعلامات الكتابة المسمارية الأولية، ويجادلون بأنها تمثل خطوة مبكرة نحو نظام كتابة متكامل.
تسلط الدراسة الضوء على عدة زخارف أختام تحمل تشابهات لافتة مع علامات الكتابة المسمارية البدائية، مثل تلك المتعلقة بنقل المنسوجات والأوعية وتخزينها. على سبيل المثال، يشير الباحثون إلى زخارف القماش المزين والوعاء الشبكي، الشائعة في الأختام ما قبل الكتابة الحديثة، وتبدو كأنها سابقة لبعض العلامات المسمارية البدائية. وتشير الدراسة إلى أن هذه الرموز، التي كانت تستخدم على نطاق واسع في جنوب غرب آسيا، كان لها دور أساسي في تشكيل مفردات بصرية مشتركة أثرت على اختراع الكتابة.
ظاهرة أوروك وهي فترة من التوسع الحضاري والتبادل الثقافي من جنوب العراق إلى جنوب شرق تركيا، سهلت انتشار الأدوات الإدارية مثل الأختام والألواح الطينية. خلال هذه الفترة، أصبحت أوروك مركزاً حضارياً بارزاً، مستفيدة من الوصول إلى الطرق النهرية على طول نهري دجلة والفرات، ما مكّن حركة البضائع والموارد والأفكار.
يشير انتشار الأختام الأسطوانية ورموزها المصاحبة عبر منطقة شاسعة إلى شبكة مترابطة، حيث شارك النخبة في التقاليد الإدارية، ما يعزز النفوذ والتماسك الإقليمي، وفقاً للمؤلفين. تضيف فيرارا: "حدد الفريق أنماطاً تعمل مقدماتٍ بصرية لعلامات الكتابة المسمارية البدائية. من بين هذه الصور، هناك مجموعة لأشخاص يحملون المنسوجات والأوعية، تعكس هذه الأغراض تركيز المجتمع على تخزين ونقل وإدارة السلع. نمط القماش المزين الذي غالباً ما يصور في الشعارات المطبوعة على الأختام، ونمط الوعاء الشبكي المستخدم لتسجيل العناصر في النصوص الأولية للكتابة المسمارية، يشيران إلى تطور من التمثيل التصويري إلى الرموز الموحدة".
يعتقد الباحثون أن هذه التشابهات بين صور الأختام وعلامات الكتابة المسمارية الأولية، هي إشارة إلى استمرارية التمثيل الرمزي، ما يجسر الفجوة بين التواصل القائم على الصور واللغة المكتوبة. وبينما سمحت الكتابة بتوثيق أدقّ، استمرت زخارف الأختام في تشكيل لغة الرموز حتى المراحل المبكرة من تطور الكتابة المسمارية البدائية.
"تؤكد نتائج هذه الدراسة أن أصول الكتابة لم تكن ظاهرة معزولة، بل كانت تطوراً تراكمياً تشكل بفعل الممارسات الإدارية الطويلة الأمد، والتبادلات الثقافية عبر جنوب غرب آسيا. من خلال تتبع تحول رموز الأختام إلى رموز مكتوبة، أوضحنا كيف يمكن للرموز البصرية أن تتطور إلى نظام موحد، ما يوفر كلّاً من الفائدة الإدارية والاستمرارية الثقافية"، تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة.