دراسة قطرية: شبه الجزيرة العربية كانت مركزاً للوجود البشري قبل آلاف السنين

26 أكتوبر 2021
شبه الجزيرة العربية بمثابة مفترق طرق أو نقطة التقاء وانتقال بين قارات العالم (Getty)
+ الخط -

كشف باحثون في مؤسسات بحث قطرية عن خريطة عالية الدقة للبنية الجينية للسكان في شبه الجزيرة العربية، ما يوفر رؤى جديدة في تاريخ البشرية في المنطقة وأنماط الأسلاف، التي قد تساعد في تفسير السمات البشرية المحلية ومخاطر الأمراض.

"قطر جينوم"

نشرت الدراسة يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، وتشير نتائجها إلى أن السكان القدامى في شبه الجزيرة العربية لعبوا دوراً محورياً في تاريخ الهجرة البشرية المبكرة من أفريقيا أكثر مما كان معروفاً من قبل، إذ كانت شبه الجزيرة العربية بمثابة مفترق طرق أو نقطة التقاء وانتقال بين قارات العالم القديم الثلاث؛ أفريقيا وأوروبا وآسيا.

تعد الدراسة التي أنتجها تجمع بحوث "قطر جينوم" أول تحليل واسع النطاق لعلم الوراثة للسكان العرب وسكان الشرق الأوسط عموماً، إذ يجرى فحص الحمض النووي لأكثر من 6 آلاف شخص يعيشون في قطر، ومقارنة جيناتهم مع تلك الموجودة في السكان الآخرين الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم اليوم، بالإضافة إلى الحمض النووي القديم لمجموعة مشتركة تضم أكثر من 10 آلاف شخص.

فجوة معرفية

يسهم فهم التركيبة السكانية والتنوّع الجيني للسكان المعاصرين العرب والشرق أوسطيين في كسر الحواجز التي لطالما شكلت تحدياً أمام منظومة الطب الدقيق المصمّم للتعامل مع مخاطر الأمراض الفريدة للسكان العرب. كشفت الدراسة حدوث انقسام سكاني عن الأفارقة الأوائل منذ حوالي 90 ألف عام، تلاه انقسام آخر قبل 30 ألفاً إلى 42 ألف عام، ما شكّل أسلاف الشعوب العربية والأوروبية الحديثة. ولاحظ الباحثون ندرة جينات إنسان نياندرتال في السكان العرب.

وأشار قائد فريق البحث يونس مقرب، رئيس مختبر الجينوم الطبي والسكان في "سدرة للطب" بالدوحة، إلى وجود فجوة معرفية كبيرة حول التركيب الجيني لسكان الشرق الأوسط، وخاصة العرب. لذلك تأتي الدراسة للمساعدة في معالجة هذا الأمر وتوسيع فهمنا لعلم الوراثة السكانية، بالإضافة إلى تاريخ الوجود البشري في الشرق الأوسط والعالم. ويلفت مقرب إلى أن القدرة على كشف التنوع الجيني غير المميّز لها آثار مهمة على فهمنا لبيولوجيّة الإنسان وأمراضه.

مقارنة جينية

وأضاف مقرب، في تصريح لـ"العربي الجديد": "قارنا الحمض النووي للعرب في العصر الحديث بالحمض النووي القديم الذي تميّزت به مجموعات بحثية أخرى سابقاً، مأخوذ من البشر القدامى الذين تم تحديدهم في مواقع مختلفة عبر بلاد الشام وأوروبا وآسيا وأفريقيا. وجدنا أن أسلاف عرب شبه الجزيرة كانوا من بين الهجرات المبكرة من أفريقيا قبل حوالي 12 ألفاً إلى 20 ألف عام، وهو ما أدى إلى نشوء مجتمعات بدوية وزراعية سكنت بلاد الشام وأجزاء مختلفة من شبه الجزيرة العربية".

في السابق، كانت شبه الجزيرة العربية تعتبر في الغالب ممراً للهجرات البشرية. ووفق الدراسات الأركيولوجية والمناخية الحديثة، كانت منطقة شبه الجزيرة العربية خضراء وخصبة قبل عشرات آلاف السنين، وهنا تقدم الدراسة أول دليل جيني قوي يدعم حقيقة أن الجزيرة العربية كانت موقعاً نابضاً بالحياة للوجود البشري، وفق المؤلفين.

قطر أفضل نموذج

وكانت من أكثر النتائج إثارة للانتباه، وفق مقرب، ملاحظة التنوّع الكبير في الأصول الوراثية لسكان قطر على الرغم من حجمها السكاني الصغير. وهذا يجعل سكان قطر ممثلاً ممتازاً للعالم العربي. وهذا يعني أن الاكتشافات التي سيتم تحقيقها في المستقبل من قطر ستكون قابلة للتطبيق على ملايين العرب في كل مكان.

ويوضح المؤلف الرئيسي أنه نتيجة لهذه الدراسة، أصبح من الممكن الآن تحديد السلالة الجينية بشكل أفضل في مجموعات سكان الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقسيم الأفراد الذين يخضعون لاختبار المرض أو علاجه بدقة أكبر، إذ ثبت أن السلالة هي عامل تمييز مهم للقابلية للإصابة بالمرض، بما في ذلك الأمراض الوراثية والمعدية، وكذلك الاستجابة في التجارب السريرية.

المساهمون