تعبيران اثنان، تعتمدها "بروميير" (مجلة سينمائية شهرية فرنسية)، في عددها الأخير (فبراير/شباط 2023) في مقالةٍ لفانسان مالوزا عن سيلفستر ستالون: "غير قابل للكسر" (الغلاف)، و"ذاك الذي لا يريد أنْ يموت ـ ستالون العائد".
هذا حاصل بمناسبة أول سلسلة تلفزيونية يُمثّل ستالون فيها، Tulsa King، التي يبتكرها تايلور شيريدان، كاتب سيناريو "سيكاريو" (2015) لدوني فيلنوف، عام 2022، والتي يبدأ عرضها الفرنسي في 12 فبراير/ شباط الجاري، على شاشة المنصّة الأميركية "باراماونت بلاس"، التي تعرضها أميركياً منذ 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 (الموسم الأول، 10 حلقات، مدير السلسلة الكاتب/المنتج تيرينس وينتر، الذي له "آل سوبرانو").
"إنْ تكن (هناك) أسطورة، بجلدٍ قاسٍ، فللأسطورة اسم سيلفستر ستالون، الذي كطائر الفينيق، غير مُنتهٍ من أنْ يموت، ويولد مُجدّداً من الرماد، منذ 20 عاماً"، يكتب مالوزا، مُعدّداً تلك اللحظات/الأفلام الشاهدة على انبعاثه في الحياة مرّة تلو أخرى، بدءاً من "عودته غير المتوقّعة، كبطريرك عجوز لفرقةِ وجوهٍ مكسورة وأرواحٍ محطّمة"، في "المستهلكون" (2010)، الذي يتولّى إخراجه (هناك 3 حلقات لاحقة، آخرها يُنتظر بدء عروضه التجارية في العام الجاري، يكتفي بالتمثيل فيها)، إلى "مواقفه الشرفية المتواصلة"، كما في شخصيتي روكي بالبُوا وجون رامبو، و"محاولاته في أنْ يكون شاهداً لتمرير العصا"، كما في "كريد"، الذي يُنجز راين كووغلر الجزء الأول منه عام 2015 (هناك جزء ثانٍ لستيفن كايبل جونوير، 2018).
رغم أنّ قراءة مالوزا تمزج نقداً بسيرة، هناك شيءٌ ساخر فيها، يراه بعضهم ملائماً لسيرة ستالون، ولنقد أفلامه، التي يغلب عليها التشويق والمغامرة والعنف، ويحضر فيها "الوطن" وأسئلة الهوية والتضحية والعزلة، وهذه الأخيرة غير معمّقةٍ، كما في سلسلة "رامبو" تحديداً، بدءاً من أول حلقةٍ، بعنوان "دم أول" (1982)، لتود كوتْشيف. أمّا سلسلة "روكي"، التي تُعتَبر مدخله إلى شهرةٍ دولية، فأكثر إنسانية، لبحثها المبسّط في معاني العائلة والصداقة والفقر والالتزام والحبّ والبحث عن خلاصٍ، من دون تشاوفٍ، مع عبورٍ عاديّ في تأدية واجبٍ وطنيّ، بمقارعة إيفان دْراغو (دالف لاندغرين)، الملاكم السوفييتي، في ثمانينيات الحرب الباردة.
أول "روكي" سيكتبه ستالون ويمثّل فيه، وسيُخرجه جون جي أفلْدسون عام 1976، وسيستمرّ إنتاج حلقات تالية له، إلى عام 1990، مع "روكي 5" لأفلْدسون نفسه، قبل إطلاق "ملاحق" للسلسلة، بدءاً من "روكي بالبُوا" (2006) لستالون، مخرجاً وممثّلا.
عودة ستالون إلى المشهد العام متمثّلةٌ بتأديته شخصية المافياوي النيويوركي دْوايت "الجنرال" مانفردي، في Tulsa King، الذي يُطلَق سراحه من السجن، بعد تمضيته 25 عاماً فيه. يُجبَر على "النفي" إلى مدينة تولسا في أوكلاهوما. رغم استجابته لقرار النفي، سيُجمع "عائلته" المافياوية هناك، ليُعيد ترتيب إمبراطوريته الإجرامية: "ما يُعجبني (في العمل) غير مُتمثّل بتأديتي دور رجل عصابة، بقدر استبعاد الشخصية بعنفٍ من عالمها، وبنفيها بالقوّة"، يقول ستالون، مُضيفاً أنّ هناك من يقول للجنرال، في البداية: "يُفترض بك أنْ تكون ميتاً. سنُرسلك إلى هذا المكان التائه، الذي ستبقى فيه إلى الأبد". يُؤكّد الممثل أنّه يُفترض بمانفردي أنْ يموت ويختفي، "لكنّه، على نقيض ذلك، سيحاول أنْ يولد مجدّداً، وأنْ يزدهر، بمراقبته هؤلاء الغرباء، ومحاولته بسذاجة أنْ يساعدهم على كسب مزيدٍ من المال".
آراء نقدية مختلفة تُرافق العرض الأميركي (منشورة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، منها مقالة لريتشارد روبر (شيكاغو صان تايمز)، يكتب فيها أنّ "النتيجة" الظاهرة في السلسلة "تتمثّل في زواج مثالي بين الممثل والمادة، مع اعتماد ستالون على صيغة علامته التجارية، أي الكاريزما، والبدنية المرعبة، والحوار الذكي الذي يُنطَق بصوتٍ منخفض، ويستنكر الذات، غالباً". أما نايت ريتشارد، فيكتب في "كولايدر" (موقع إلكتروني متخصّص بالتلفزيون والسينما وأعمال الترفيه) أنّ عشّاق أفلام تايلور شيريدان ومسلسلاته السابقة، وهواة سيلفستر ستالون، "سيشعرون بأنّهم "في المنزل" تماماً، عند مشاهدتهم Tulsa King"، مُضيفاً أنّ السلسلة الجديدة هذه "نوعٌ من عروضٍ يعرفها الجمهور، ولا يحاول جذب رافضين له"، معتبراً أنّ بعض تلك العروض ربما يكون "خشبياً قليلاً"، لكنّ الحبكة، كالطابع المركزيّ للعمل، غير متلاشية البتّة: "واضحٌ أنّ شيريدان، المشغول كثيراً في "باراماونت بلاس"، غير مُخيِّب لآمال المعجبين/المعجبات به، حتى الآن"، ذاكراً Yellowstone، سلسلته التلفزيونية السابقة (بدءاً من 20 يونيو/حزيران 2018، والمستمرة إلى الآن)، التي لها دورٌ أساسيّ في "الولادة الثانية (أيضاً) لكيفن كوستنر"، كما في مقالة فانسان مالوزا.
من جهته، يرى كريس فونيير، في "سان فرنسيسكو كورنيكال" (11/ 11/ 2022)، أنّ جزءاً من التحدّي، المنبثق من مُشاهدة السلسة الجديدة هذه، كامنٌ في قراءة الجنرال كتاب "فاوست" لغوته، في السجن، وفي استخدام تعابير ومصطلحات، "تبدو (معها) اللغة غريبة عندما ينطق بها، بعد تأدية ستالون دور من يصنع كدماتٍ على وجوه رجالٍ أقوياء، وأجسادهم"، مضيفاً أنّه أمرٌ طبيعيّ أنْ يحمي (الجنرال) مستوصف الماريوانا، ويستعين بعقلية لاقانونية في تعامله مع مؤسّسة، غير مُعتقد بأنّها قانونية.
يقول: "في طريقه إلى المطار، يتّفق (الجنرال) مع تايسون (جاي ويل)، سائق سيارة الأجرة، على أنْ يُصبح سائقه الشخصي؛ ويتمكّن من التلاعب ببودي (مارتن ستار)، مالك المستوصف، ليجعله شريكاً له في الجرائم. ثم يُضاجع امرأة (أندريا سافاج)، غير عارفٍ أنّها عميلة "مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية".
في "بروميير"، يروي سيلفستر ستالون دوره في صُنع السلسلة: "يأتيني تايلور (شيريدان) مع فكرة المافيوزي العنيف والوحشيّ، الذي عليه إفساد كلّ من يلتقي به. أرفض، فأنا أفكّر بجعله يستخدم عقله ويُفتِن هؤلاء الغرباء، قائلاً لهم: "هذه سترة جميلة. هذا زيّ جميل. هذا حذاء جميل". عليه أنْ يستخدم سحره وجاذبيته، أكثر بكثير من عنفه". يقول ستالون إنّ شيريدان معجبٌ بهذا، فيُطوّر الشخصية.
بعد سنين من العمل السينمائي، متنوّع الأشكال، يبدأ سيلفستر ستالون مرحلةً جديدة في مهنته، منتقلاً إلى الشاشة الصغيرة. التجربة تستحقّ المُشاهَدة.