كان "رام الله التحتا" الاسم الشائع للبلدة القديمة في مدينة رام الله، حيث سكن أهل المدينة الأوائل منذ تأسيسها في القرن السادس عشر على يد راشد الحدادين القادم من مدينة الكرك وقتذاك. الآن، باتت المنطقة برمّتها على موعد كل يوم جمعة، بدءاً من الرابع عشر من يوليو/ تموز، مع سوق الحرجة مجدداً.
يتخذ السوق، للسنة الثالثة عشرة، نكهة مختلفة عصرية بعض الشيء، مع عدم إغفال الهوية التراثية بمختلف أشكالها، سواء عبر المنتجات المعروضة للبيع التي في مجملها أعمال يدوية ومأكولات تعكس الجذور الضاربة للفلسطينيين، أو عبر الفقرات الفنية المتعددة والغنائية التي ارتدت عباءة حديثة لأغنيات فلسطينية وشامية وشرقية قديمة.
في الجمعتين الأولى والثانية من فعاليات سوق الحرجة كان ميدان راشد الحدادين على موعد مع الآلاف ممّن أموا أركانه وزواياه المختلفة، وتفاعلوا مع ما قدمته الفرق الثقافية والفنية، وتجوّلوا بين الأكشاك التي تضم منتجات ومصنوعات يدوية تقليدية، إضافة إلى منتجات أخرى مستلهمة من التراث المحلي والعربي، في خطوة تمثّل تشجيعاً للحرفيّات والحرفيّين المكرسين أو الهواة منهم، ولا سيما الشباب، ودعم الإنتاج الحرفي المرتبط بالتراث الثقافي للشعب الفلسطيني، وترويج المنتج الوطني والصناعات اليدوية الاحترافية، إضافة إلى فتح مساحات رحبة لأصحاب المشاريع الصغيرة، ولتنشيط الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن يتجول في أزقة السوق، يجد أكشاكاً تبيع مأكولات وحلويات شعبية فلسطينية وشاميّة، ويجد عربات شكلت ما يشبه المقطورة التي في مجملها يبيع القائمون عليها، وجلّهم من الشباب، منتجات غذائية عصرية، بعضها من ابتكاراتهم.
وليس ذلك فحسب، فهناك زوايا لبيع الكتب تقوم عليها دور نشر فلسطينية، كزاوية دار طباق للنشر والتوزيع، وأخرى تروّج كتباً لليافعين حول المدن الفلسطينية، وخصوصاً التي استولت عليها العصابات الصهيونية عام 1948، كاللد، والرملة، ويافا، وحيفا، وطبريا، وبيسان، والنقب، وبئر السبع. فيما تظهر أسماء المدن الفلسطينية مع رسومات تعبّر عن أشهر ما يميّزها من منتجات زراعية على قطع خشبية يدوية الصنع، مزودة بمغناطيس بغرض تثبيتها على سطح الثلاجة، فنرى يافا وبرتقالها، وقلقيلة وجوافتها، وحيفا وخرّوبها، والنقب وقمحها، على سبيل المثال لا الحصر.
وتحظى الدمى بإقبال كبير، خصوصاً لدى الفتيات من الأطفال واليافعين، وهي دمى ترتدي الكوفية المرقطة بالأبيض والأسود، وكان يرتديها الثوار الفلسطينيون ضد الاحتلال البريطاني بدءاً من ثورة 1936، فضلاً عن الأثواب الفلسطينية المطرزة للعديد من المناطق. ففلسطين تشتهر بأثوابها التي تختلف في تطريزها من مدينة لأخرى. وفي سوق الحرجة أيضاً، ثمة زاوية خاصة لتبني الكلاب بإشراف من مركز تعقيم الكلاب التابع لبلدية رام الله، وتحظى بإقبال كبير.
هذه السوق الأسبوعية ستكون كل جمعة في "رام الله التحتا"، حتى الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل، بهدف خلق فضاء ثقافي فني مجتمعي تلقائي، وتوفير منبر للفنانين الشباب ليعرضوا إبداعاتهم بعيداً عن الأجواء الرسمية. وفي هذا الإطار، انتظمت في 14 و21 يوليو العديد من الفعاليات الفنيّة والثقافية للصغار والكبار، منها فعالية "موسيقى ع الرصيف" لجمعية الكمنجاتي الموسيقية، والعرض الغنائي "جنين" للفنان عدي الخطيب وفرقته، وعرض سيرك و"فلاش موب" لمدرسة سيرك فلسطين، وعرض فرقة فنونيّات للفلكلور والرقص الشعبي، والعرض المسرحي "فكرة جديدة" الخاص بالأطفال من إنتاج مسرح الحارة في مدينة بيت لحم، وغيرها.
وحين أُعيد الاعتبار لسوق الحرجة، قبل ثلاثة عشر عاماً، كان هذا التوجه يشكل جزءاً من خطة استراتيجية لبلدية رام الله، تهدف إلى إنعاش المدينة القديمة اقتصادياً، وتسليط الضوء عليها سياحياً، وذلك عبر دراسة اجتماعية وأخرى لمباني المنطقة، وتوفير الدعم للمؤسسات الثقافية والفنية والأهلية للإقامة فيها، وكذلك تأسيس مركز خدمات الجمهور الموحد فيها أيضاً.
وأشارت مديرة دائرة التنمية الثقافية في بلدية رام الله، سالي أبو بكر، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن السوق توفر مساحة مهمّة للتفاعل الاجتماعي، وتشكل فضاءً ثقافيّاً فنيّاً مجتمعيّاً تلقائياً، ومنبراً للفنانين الشباب ليعرضوا إبداعاتهم الفنية والأدائية المتنوعة والتجريبية على حد سواء، كذلك فإنه مشروع يساهم في التنمية الاقتصادية المحلية للمدينة، مضيفة أن سوق الحرجة تتيح الفرصة لاستضافة منتجات زراعية موسمية لدعم صمود المزارعين الفلسطينيين، وتعزيز الاقتصاد المحلي الوطني، إضافة إلى نباتات الزينة المحلية، كذلك تشجع سوق الحرجة أصحاب المشاريع الصغيرة المتنقلة من مأكولات ومشروبات.