سامي كلارك... لن تغنّي الطيور بعد الآن

20 فبراير 2022
رحل عن 74 عاماً في بيروت (فيسبوك)
+ الخط -

لو كان لسنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ــ 1990) ذاكرة موسيقية واضحة، لكان صوت سامي كلارك (1948 ــ 2020) أحد أركانها. ولو كان للبنانيين المولودين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، صوت يختصر طفولتهم، لكان صوت سامي كلارك وحده كافياً .
لأكثر من 30 عاماً، رافق كلارك حياة اللبنانيين (وبدرجة أقل العرب كذلك) بكل هزائمهم وانكساراتهم وبكل آمالهم وأحلامهم وخوفهم، ليرحل فجر الإثنين في بيروت عن 74 عاماً.
عام 1970 عندما وقف على مسرح في أثينا، ليقدّم أغنية فرنسية تحمل عنوان Jamais Jamais مع إلياس الرحباني، لم يكن يعلم أن حياته ستتغير، وأن مسيرته الفنية الفعلية ستبدأ من هنا. ولم يكن يعلم كذلك أنّ بلده يتقدّم بخطى ثابتة وتدريجية نحو حرب مدمرة. من اليونان إلى ألمانيا وبلغاريا والنمسا، جال سامي كلارك (المولود سامي حبيقة) مسارح أوروبا، حصد الجوائز، والنجاحات، مقدماً نفسه كأبرز فنان عربي يغني باللغة الأجنبية.
لكن بينما كانت مسيرته تعرف سنواتها الذهبية، كان لبنان ينزلق إلى جحيم الاقتتال الأهلي من دون أي أفق لانتهاء هذه الحرب. في تلك الفترة انتقل كلارك إلى تقديم الأغاني اللبنانية، غنّى للحب، غنى للحبيبة الضائعة، وغنى للوطن الضائع، وغنى للفرح، مازجاً في كل مرة بين الآلات الشرقية الوترية وتلك الغربية التي كانت طاغية في أغلب أعماله، ومقدماً الإيقاعات الراقصة التي تعتمد على توزيع بسيط، بعدما كانت تقتصر في تلك الفترة على الآلات الإيقاعية.
فقدمّ خلال السبعينيات والثمانينيات أغانيه الأشهر، مثل "قومي تنرقص يا صبية"، و"قلتليلي ووعدتيني"، و"موري موري"، و"تايك مي ويذ يو"، و"تامي"، و"لمن تغني الطيور"... متعاوناً بشكل أساسي مع إلياس الرحباني، الذي كان قد شق طريقه الفني الخاص بعيداً عن شقيقيه عاصي ومنصور.
وفي النصف الثاني من الثمانينيات إثر دخول الموسيقى المصرية عصرها الجديد مع توزيعات وألحان حميد الشاعري، وبروز مجموعة جديدة من نجوم الأغنية في القاهرة، اختار سامي كلارك هو الآخر تقديم أعمال مصرية أكثر كلاسيكية ربما من تلك التي قدمها الشاعري، لكنها أعطته تذكرة عبور إلى مصر بطريقة أو بأخرى. فغنى قصيدة "عطشان يا صبايا" الشهيرة، وغيرها من الأغاني المصرية التي لم تنتشر لبنانياً بشكل كبير.


وعكس باقي فناني جيله، كان كلارك مغامراً في خياراته الموسيقية وشجاعاً في التجريب الموسيقي. ولعلّ أداءه لترنيمة "سيدي" بألحان زياد الرحباني وتوزيعه في ألبوم "كيرياليسون" عام 1977، أفضل تأكيد على ذلك. ألبوم الرحباني الذي ضمّ 9 ترانيم مارونية معروفة، بتوزيع موسيقي جديد، وبأداء عدد من الفنانين بينهم جوزيف صقر، ومادونا، وماجدة الرومي، منحت سامي كلارك فرصة فعلية للكشف عن قدراته الصوتية الكبيرة، على وقع موسيقى مشابهة لترانيم السود في الولايات المتحدة الأميركية Black gospel music.


ارتباط تجربة الفنان الراحل بالحرب الأهلية، جعلت لزاماً عليه، كما على غيره من مغني البوب في تلك الفترة، تقديم أغانٍ عن الوطن، وأخرى عن السلام، بينما كان صوت الرصاص في الشوارع لا ينقطع، ودبابات الاحتلال الإسرائيلي تتحضر لاجتياح بيروت. فغنّى عام 1982 "أرضي أرض البطولة"، ضمن ألبومه الشهير "أنا جاي من الأحزان"، الذي سجله في اليونان.
العودة إلى مسيرته التي عرفت سنواتها الذهبية في السبعينيات والثمانينيات، تبقى ناقصة من دون التوقف عند أدائه لشارات مسلسلات الأطفال الأشهر في تلك الفترة، وتحديداً سلسلة "غرندايزر" التي أدى شارتها الشهيرة "علي علي بطل فليد" التي عرب كلماتها من اليابانية موفق شيخ الأرض عام 1979، وسلسلة "جزيرة الكنز" وأغينتها "ها نحن ذا على دروب كنزنا" التي عرب كلماتها من اليابانية كذلك جوزيف خوري عام 1983. 


في التسعينيات بدا كأن مسيرة سامي كلارك باتت مسيرة احتفائية أكثر منها إبداعية. فمع دخول لبنان فترة السلم ثمّ إعادة الإعمار، بات سامي كلارك يطلّ ليعيد تقديم أغانيه القديمة كأحد وجوه لبنان الجميل. وتدريجياً بدأ يسير نحو الهامش مع سيطرة فنانين آخرين، وجيل آخر على الساحة: راغب علامة، وعاصي الحلاني، وربيع الخولي، وعلاء زلزلي، ثم وائل كفوري. شكّل هؤلاء الوجوه الفنية الأساسية لحقبة التسيعينيات. لتأتي الألفية الجديدة، وتقصي نهائياً كلارك وفناني جيله عن الساحة، مع احتكار شركة "روتانا" بشكل أساسي، للإنتاج الموسيقي العربي، وتوقيعها عقود احتكار مع المغنين العرب.
في مقابلة صحافية عام 2010، يوثق سامي كلارك لحياته الفنية بمرحلتين: قبل عام 2000 وبعده، يلوم الفضائيات وشركات الإنتاج التي سيطرت على الساحة الموسيقية في الألفية الجديدة، على ما سماه "التردي الكبير للموسيقى".
وقتها كان سامي كلارك بصدد كتابة مذكراته، وإعداد كتاب يحكي فيه قصة كل أغنية من أغانيه، بينما كان مبتعداً عن الساحة الفنية ومكرساً حياته للعمل الاجتماعي في إحدى الجمعيات الدينية المسيحية.
لكن محاولات كلارك للعودة إلى الساحة لم تتوقف، فحاول إحياء سنواته الذهبية مع زميليه ​عبدو منذر​ و​الأمير الصغير​ من خلال تأسيس فريق Golden Age الذي أحيا عدداً من الحفلات، لكن سرعان ما اختفى عن الساحة هو الآخر. 

المساهمون