يفاخر مؤسس قناة MBC وليد الإبراهيم بإنتاج مسلسله السعودي "رشاش" (2022). فخلال لقائه مع الصحافي عمر الجريسي في بودكاست مدته ساعتان ونصف، يجيب عن سؤال: لماذا الدراما التي تنتجها قناته بعيدة عن المجتمع؟ بالقول إن المسلسلات السعودية قد دخلت مرحلة جديدة، ولن يرى المشاهدون على قناته التي انتقلت من دبي إلى الرياض "أعمالاً بعد الآن إلا من سوية مسلسل رشاش الرفيعة".
أنتج مسلسل رشاش عام 2022، وهو مؤلف من ثماني حلقات فقط، مستنداً لقصة حقيقية اشتهرت في السعودية خلال ثمانينيات القرن الماضي، حين قامت عصابة بأعمال سطو مسلح وقتل وتهريب مخدرات وأسلحة بقيادة عريف سابق في قوات الحرس الوطني، يدعى رشاش الشيباني العتيبي.
وأعيت العصابة رجال الأمن السعودي، خلال عامين، حيث كانت تقوم بالسطو في الرياض وضواحيها، ثم تلجأ لصحراء الربع الخالي. وكانت تسبق الأمن دوماً بخطوات. ونتابع في المسلسل وجود مخبر بين الأمن يقوم بتسريب تحركات الأجهزة للعصابة المؤلفة من شخصيات عدة.
ومقابل سطوة وذكاء وجموح رشاش يقف ضابط الشرطة فهد الذي يعاند إدارته وعائلته ويصر على ملاحقة رشاش حتى يستعيده من اليمن التي هرب إليها ليعدم ويصلب في الرياض عام 1989.
لن يستطيع الناقد إلا الإشادة بذكاء العمل درامياً، وقدرته على الإثارة والتشويق والإعجاب بالتصوير والتقنيات، والأهم من ذلك أداء الممثلين السعوديين المبدع. وهنا لا بد من الإشارة بأن كادر التمثيل سعودي بالمطلق، على عكس كادر التأليف (البريطاني توني جوردان) والإخراج (البريطاني كولن تيغ).
ربما يستطيع القائمون على العمل تبرير ذلك بقلة الكتّاب والمخرجين السعوديين والعرب، ولا سيما في مجال صناعة التشويق والإثارة، وربما يعِدون أنهم سيتداركون ذلك من خلال تطوير الكوادر المحلية لاحقاً من خلال الاحتكاك مع المبدعين العالميين.
وإن كنت معجباً بالإخراج المتقن وبالأداء المبدع وبالقصة المحبوكة فإنني لا أتفهم سبب الهرولة وراء الأعمال التي تمجد قصص الخارجين عن القانون من طينة مهربي المخدرات وقطاع الطرق والقاتلين، كما شاهدنا في مسلسل الهيبة وتوابعه، الذي تبنته ذات الجهة (MBC) فنجدها تختار ممثلين مبدعين وجذابين للقيام بدور "الشرير"، كتيم حسن في "الهيبة" ويعقوب الفرحان في "رشاش"، ولتجعل منهم نماذج تُحتذى وتُقلد بحركاتهم وهيئاتهم وعباراتهم من قبل المراهقين.
طبعاً أتفهم أن لا يقع كاتب السيناريو في فخ الأسود والأبيض والطيب والشرير، وأن تكون الشخصيات حتى الشريرة منها، وهي الأولى، مركبة معقدة، وتمر بلحظات إنسانية وقد نتعاطف معها، أو بالأحرى نتفهم سلوكها من دون أن نجعلها تتفوق على من يقف ضدها ويحاربها ويلاحقها.
شاهدت العمل مع أمي وأختي اللتين أعجبتا بـ"رشاش"، وتمنيتا في لحظة ما أن يفلت من الملاحقة، ليبقى ثائراً متمرداً يشبه الحصان الأبيض في الصحراء.
ذكرتني هيئة رشاش البدوية بشعره ولحيته وعيونه وطوله الرهيف بخارج آخر عن القانون، وهو جهيمان العتيبي الذي يتشارك مع رشاش، بالانتساب لقبيلة عتيبة، وكلاهما خدم في الحرس الوطني قبل أن يسلك طريقه؛ رشاش في عصابة السطو والقتل، وجيهمان قبله في اقتحام المسجد الحرام في مكة المكرمة عام 1979 وكلاهما انتهيا مصلوبين.
يأمل القائمون على المسلسل أن يشكل العمل علامة فارقة في الإنتاج السعودي والخليجي، وأنا أشاركهم هذا الأمل، متمنياً أن يكتفوا بموسم واحد من رشاش، وأن تكون الأعمال القادمة صناعة سعودية خليجية عربية مضموناً وتوجهاً وكتابة وإخراجاً.