لم تخذل منصة "نتفليكس" الكوميدي الأميركي ديف شابيل، بالرغم من حملات الانتقاد والمقاطعة التي طاولته بسبب النكات التي أطلقها على المتحولين جنسياً، فـ "وقفت المنصة إلى جانبه"، إن صح التعبير، ولم تتخذ موقفاً حاسماً، كأنها تعيد النظر في ثقافة الإلغاء، إذ لم تكتف بشراء برنامج شابيل الذي تركه الأخير فجأة عام 2006، واختفى لعشر سنوات، ليعود مرة أخرى إلى الساحة، بل أصبح منتجاً في "نتفليكس"، يختار من يظهر على الخشبة، ويجمع أصدقاءه القدامى في عروضه، كما حصل في العرض الذي أداه في باريس هذا العام.
أول العروض التي أنتجها شابيل بثت أخيراً، ويستضيف فيها إيرث كويك (زلزال)، أو ناثانيال مارتن سترومان. يحمل العرض اسم "أصدقاء شابيل: الأسطورة إيرث كويك"، في إشارة إلى أننا من الممكن أن نشهد استضافات أخرى، يقدم فيها شابيل من يرى أنهم يستحقون الوقوف على الخشبة. هذا ما يتضح عند بداية العرض ذي الـ 39 دقيقة، شابيل نفسه على الخشبة في واشنطن العاصمة، يقدم "قوة طبيعية ستكتسح المكان".
يقدم شابيل إيرث كويك بصورة شديدة التواضع. يخبرنا كيف أقله بسيارته إلى نادي الكوميديا الذي يشارك في ملكيته عام 1993، فاتحاً أمامه الباب للأداء أمام الجمهور، ليظهر بعدها إيرث كويك نشيطاً وحيوياً، مؤكداً أنه بالرغم من تجاوزه الخمسين عاماً ما زالت حياته تستحق أن تعاش، والأهم، ليطرح انتقادات كوميديّة لأميركا مختلفة عن الشكل القائم حالياً.
يسخر إيرث كويك من مؤيدي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويرى أن اجتياح الكونغرس كان ليختلف لو أن الجموع كانت من السود. يؤكد طوال الوقت أن ما يقوله "ليس نكات"، مشيراً بخفة وعنف إلى التمييز العنصري الذي تمارسه الشرطة في الولايات المتحدة. كذلك، يحدثنا عن اللقاحات، وكيف لم يتردد بالحصول على اللقاح، كونه لن يستمع إلى نصيحة شخص مدمن مخدرات، ولا يمتلك أسناناً، قرر فجأة أن يصبح خبيراً طبياً، خصوصاً أنه مؤيد للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وبرنامج التأمين الصحي الذي طرحه، وحجته هي أن أخاً أسود فقط هو من يهتم بحياة أسود آخر، أما الباقي فمشكوك بأمرهم.
الملفت لدى إيرث كويك أنه لا ينصاع لسياسات الهوية، ويضرب بالصوابية السياسيّة عرض الحائط، بل ويطلق نكات تستهدف المثليين والمتحولين جنسياً، مكرراً العبارة الشهيرة: "من لا يستطيع سماع نكتة ويأخذها على محمل الجد، فالمشكلة فيه وليست في النكتة نفسها". ينسحب الأمر على الأطفال أنفسهم، إذ يخبرنا أن جيل اليوم شديد الحساسية، ويجب أن نكون حذرين كآباء كي لا يتم ابتزازنا عاطفياً من قبلهم، وبمجرد أن يبلغوا عمر الـ 18، دورنا يقتصر على النصح فقط، ليس على الركض وراءهم، وتدليل جراحهم التي يسببها العالم لهم.
تكرار إيرث كويك لعبارة هذه ليست نكتة، تكشف لنا عن نوع الكوميديا التي يتبناها، هو فقط يستعرض الحقائق، ويطرحها عارية كما هي، بل يمكن القول إنها ليست نكات فعلاً؛ فهل يمكن أن ننكر عنصرية الشرطة في أميركا؟ أو جنون مؤيدي ترامب؟ أو حماقة معارضي اللقاح؟ كل هذا يعيدنا إلى زمن كانت الكوميديا الأميركية فيه غير محكومة بالخوف من الإلغاء، وغير مضبوطة إلا بالشتائم، في ذاك الزمن الذي ليس بالبعيد، لا يمكن لنكتة أن تتسبب باختفاء أحدهم من الشاشة ومنعه من العمل.
لا يمكن التعليق على أداء إيرث كويك، إذ قضى في المهنة ما يزيد عن الثلاثين عاماً، هو متمكن من إيقاع نكاته، مرتاح في الحركة مع جسده، والأهم أن كل الأغراض على الخشبة على بساطتها (حامل ميكروفون وكرسي) تتحول على أدوات للضحك في يده، فلا شيء يقف في وجهه؛ لا العمر ولا الصوابية السياسية ولا الإيحاءات الجنسية، خصوصاً أن ما يقوله ليس نكات، بل محاولة لكشف العطب في أميركا.