دونالد ترامب وطائفة اسمها رجل بضمادة بيضاء على أذنه

22 يوليو 2024
مؤيدون لترامب عبّروا عن تضامنهم معه بوضع ضمادة على آذانهم (أندرو كابييرو رينولدز/ Getty)
+ الخط -

نجا دونالد ترامب من محاولة الاغتيال، ودخل إلى المؤتمر الجمهوري على إيقاع أغنية Many Men لمغنّي الراب فيفتي سنت. دخل ينظر حوله حائراً، في الوقت نفسه حذراً، وأذنه مغطاة بضمادة بيضاء مكان خدش الرصاصة التي أخطأته. دخل ترامب ومؤيدوه من حوله تبنوا ذات العلامة، آذانهم مغطاة بضمادة بيضاء، في محاولة للتماهي مع "القائد" الذي سيجعل الولايات المتحدة الأميركية "عظيمةً مرة أخرى".
خرج المتحدثون لمدح ترامب وتأييده. أبرزهم، وأكثرهم إثارة للسخرية والضحك، المصارع السابق هالك هوغان، إذ مزق ثيابه، ودعا إلى أن يحكم ترامب البلاد، صارخاً في استعراض لا يختلف عن مقدمات مباريات المصارعة الحرّة. هكذا هي صورة مؤيدي ترامب: استعراضيون وصاخبون وغير عقلانيين، يتمسكون بـ"القائد" الذي حمته "يد إلهية".
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي موجة سخرية وانتقاد لمؤيدي ترامب بأنهم أصبحوا أشبه بطائفة دينيّة (Cult)، ليس فقط بسبب الضمادة على الأذن، بل بسبب الكلمات التي تستخدم لوصف نجاته من الرصاصة، فهي "معجزة" و"تدخل إلهي" و"يد ربانيّة"، ونتاج "تدخل مباشر من المسيح"... كلها عبارات تحاول إضفاء نوع من الهالة على المصادفة التي أنقذت دونالد ترامب من الموت.
هذه ليست المرة الأولى التي يراهن فيها على المشاعر الدينيّة لوصف رئيس جمهورية أميركي، فجورج بوش الابن كان في ذات المنزلة، لكن ترامب أشد وطأة وشهرة وتأثيراً، هو "مختار" من الله لحكم أميركا. يحمل الإنجيل ويرفعه في واشنطن أمام كنيسة الرؤساء، بينما الجموع تقتحم الكونغرس. لكن للمفارقة، حين سئل مرة عن أحب المقاطع إليه من الكتاب المقدس، تلعثم، وارتبك، وقال "كله"... الكتاب كله من دون أن يحدد منه أي سطر أو كلمة.
كلمة "طائفة" هنا مختلفة عن المعنى الإسلامي المتداول، بل المقصود بها Cult، تلك التي تمتلك الولايات المتحدة الأميركية تاريخاً مشيناً في ما يخصها، بعكس فرنسا مثلاً التي تمنع تأسيس حركات كهذه؛ فـ"الطائفة" في أميركا تقدّس مؤسسها حد العماء، ويكفي البحث عن الكلمة في "نتفليكس" لنشاهد عشرات الوثائقيات التي تكشف كيف تعمل هذه المنظمات، وتستغل المنتمين إليها، مادياً وجنسياً وعاطفياً، وبكل الأشكال التي يمكن أن يتخيلها إنسان.
لكن مؤيدي ترامب ليسوا طائفة بعد. وهنا المفارقة. هم مواطنون، المفترض أن لهم ذات حقوق الرئيس، لكنهم يتماهون معه شخصاً، لا مخلّصاً لهم وللبلاد. وهذا ما يثير الخوف، لكون هذه الفئة سبق أن حملت السلاح ضد الدولة، بل اقتحمت إحدى أهم مؤسساتها. السلاح والتعصب الأعمى خطيران إن اجتمعا، خصوصاً في أميركا، حيث تلكأت السلطات طويلاً قبل أن تطلق لفظ "إرهابيين" على من اقتحموا الكونغرس، وحطموا مكتب نانسي بلوسي.
وُصفت محاولة اغتيال ترامب بأنها مسرحية، ولا نقصد هنا أنها مفبركة (على رغم وجود نظريات مؤامرة كذلك)، بل بسبب عناصرها المتوالية، بين رئيس عجوز ومرشح كاريزماتيكي ومحاولة اغتيال ثم "معجزة نجاة" ثم صورة للتاريخ. أي حكاية هذه تلك التي لا تدفعنا إلى الذهول. وهذا المخيف، الانتخابات الأميركية الآن قائمة على أساس حدث، وليس بناءً على خطة سياسيّة واضحة، بل من يمتلك الحكاية الأكثر إمتاعاً وصدمةً. وللأسف، الذي يمتلكها هو ترامب.
برّر بعضهم محاولة الاغتيال بأنها نتاج خطاب اليسار الذي واظب على تشبيه ترامب بهتلر، الأمر الذي رآه البعض مبالغةً، علماً أن ترامب اقتبس حرفياً من خطابات زعيم الرايخ الثالث. لا نحاول هنا تدليل المقارنة، بل رصد عناصر التشابه بين الجموع، تلك التي تهلل وتصرخ ضد المهاجرين والأجانب، ومستعدة حتى لتكرار كلام "القائد" من دون تفكير. المشكلة، إذاً، ليست في ترامب نفسه، بل في أنصاره أنفسهم، في أميركا التي تكشف لنا في كل مرة يترشح فيها ترامب عن وجه خفيّ، لا نشاهده على منصات البث الرقمية ذات الصوابية السياسية.

المساهمون