دار نشر أردنية تُصدر كتباً سينمائية: اهتمام ناقص وتقليدي يُستَحسَن تفاديه

23 فبراير 2022
"خطوط وظلال للنشر والتوزيع" (فيسبوك)
+ الخط -

كلّ تعليق نقدي، يتناول صناعة الكتاب السينمائي العربي، يواجَه بعدم اكتراثٍ من كتّاب ونقّاد وناشرين ومنخرطين في شأن سينمائي ما. مطبوعات تصدرها مهرجانات سينمائية عربية، في دوراتها السنوية، مُصابة بأعطابٍ، لكنّ القيّمين على تلك المهرجانات والمطبوعات غير قارئين تعليقات ومقالاتٍ نقدية تقول شيئاً من تلك الأعطاب. دور نشر غير مُكترثة البتّة بكَمّ، هائلٍ أحياناً، من الأخطاء، يُشير إليه مهتمّون ومتابعون، فتُكمِل إصدار كتبٍ متشابهةٍ بكَمّ، هائل أحياناً، من الأخطاء نفسها، أو من بعضها على الأقلّ: غياب تحرير النصّ، أخطاء صرف ونحو وقواعد، ركاكة تحليل، سوء ترجمة وطباعة، بهتان ورق، شكلٌ تقليدي ساذج للحرف، صغر حجم الحرف غالباً. والأسوأ: رداءة صُوَر.

غياب مؤسّسات، رسمية وخاصة، تُعنى بالتأليف والترجمة السينمائيين، جزءٌ من حالة عربية عامّة، باستثناء تجارب تبقى فردية، وتوزيعها محدود، فـ"الحدود" ـ متنوّعة الأشكال ـ قائمةٌ بين دول عربية. غياب الرسميّ مفهومٌ في بلدان عربية، غير مُهتمّة بالثقافة والفنون، إلا في حالتين: تمجيد الأنظمة وتقديسها، فتُغدق على المُمَجّدين والمُقدِّسين عطاءاتٍ مختلفة الأنواع؛ أو نقد الأنظمة وتقديسها، فتُفلِت على المنتقدين رقابات اجتماع ودين وسياسة، وثقافة وفنون أيضاً، وهذا أخطر. غياب الخاصّ منبثق، بحسب نظرة الخاص نفسه، من كون الثقافة والفنون، في الجانب النظري تحديداً، غير مُربِح مالياً. الخاص يهتمّ ببعض ثقافةٍ وفنون، بين حين وآخر، لتلميع صورته، بادّعاء اهتمامه بإنتاجٍ ثقافي وفني ما.

الدافع إلى الكتابة مجدّداً عن الكتاب السينمائي العربي، المؤلَّف والمُترجَم، يتمثّل بانخراطٍ، متواضع للغاية (قياساً إلى الإصدارات الأخرى)، في الشأن السينمائي، لدار نشرٍ أردنية جديدة، مؤسَّسة عام 2020، باسم "خطوط وظلال للنشر والتوزيع". الانخراط المتواضع يظهر بعدد الكتب السينمائية، القليل للغاية، إزاء كثرة الإصدارات الأخرى، من دراسات نقدية وفكرية وفنية، وروايات وأشعار وفلسفة، مؤلَّفة ومُترجمة.

لا بأس. الكتابة، النقدية والتحليلية والتفكيكية، في شؤون السينما، العربية تحديداً، قليلةٌ أصلاً، فالطاغي في هذا المجال، كتبٌ تُجمَع فيها مقالاتٍ منشورة سابقاً لنقّاد، معظمهم من جيلٍ قديم. للمشكلة وجهان: دار نشر جديدة، تريد اهتماماً بالسينما، تكتفي بتواصلٍ مع عاملين في الصحافة والنقد منذ سنين طويلة، فتُصدر لهم كتباً تضمّ مقالاتٍ، أو دراسات (!)، منشورة سابقاً. الأسوأ من ذلك، إصدار كتبٍ كهذه مليئة بالأخطاء الشائعة في دور نشر عربية أخرى، من دون أي تجديدٍ، أو إبداء أدنى اهتمامٍ بما يعنيه كتابٌ سينمائي (خاصة في مسألة الصُور)، وهذا حاضرٌ في إصداراتها الأخرى أيضاً، لأسماء معروفة في الأدب العربي، تكشف (الأسماء) فقداناً مخيفاً لأبسط قواعد الكتابة العربية.

 

 

الكتب السينمائية القليلة، لغاية الآن، الصادرة عن تلك الدار، تُكمِل منهجاً عربياً متأصّلاً في تفكير جيلٍ قديمٍ، يُثابر على جمع مقالات وأبحاثٍ ودراسات منشورة سابقاً في صحف ومجلات ومواقع مختلفة، لإصدارها في كتبٍ. الجيل نفسه غير راغبٍ في تأليفِ جديدٍ، يتناول مواضيع تراوح بين مسائل قديمة (شرط أنْ يُقدِّم جديداً في تحليله) وتحوّلات حديثة، ما يدفعه إلى اعتماد الأسهل، المتمثّل بجمع كتاباتٍ سابقة له، ونشرِها في كتابٍ أو أكثر. يُبرِّر الجيل نفسه، وأفراد من أجيال لاحقة أحياناً (وهذه مشكلة أيضاً)، فعلته هذه بأولوية حفظ الكتابات في كتاب واحد أو أكثر، لحمايتها من الاندثار، فصحفٌ ومجلات ومواقع إلكترونية "ربما" تكون غير مُكترثة بتوثيق/ أرشفة المنشور فيها، أو غير آبهةٍ بوضع المنشور نفسه في خدمة مهتمّ، باحثاً أو ناقداً أو أكاديمياً، أو مجرّد هاوٍ للسينما. يُفترض بتبريرٍ كهذا، إنْ يُقبَل به، ألّا يحول دون اهتمام الناشر بجماليات الإصدار وأشكال صِحّته، على الأقلّ.

بموافقتها على إصدار كتبٍ تضمّ كتاباتٍ منشورة سابقاً، تُظهِر دور نشر عربية مختلفة، بما فيها الجديد منها، أنّ عملها هذا غير حِرفيّ وغير خلّاق، وغير منسجم ورغبتها (أو ادّعاء رغبةٍ كهذه) في دعم نتاج سينمائي مكتوب. دور نشر كهذه غير ساعيةٍ إلى إصدار كتب مؤلَّفة، تتبنّاها فتنشرها على نفقتها، بحجّة أنّ "تمويل مشروع كهذا يحتاج إلى مال"، كما يقول ناشرون عرب، وهذا صحيح. لكنّ إلقاء نظرة على إصدارات هؤلاء، تكشف لائحة كبيرة من كتبٍ متنوّعة، تحتاج فعلياً إلى مالٍ لطبعها ونشرها وتوزيعها، لكنّها مليئةٌ بالأخطاء التقليدية نفسها، أو ببعضها، والتخلّص من الأخطاء غير محتاجٍ إلى مالٍ إضافيّ (بعض الكتب غير صالح للنشر اصلاً، وهذا إهدارٌ ماليّ).

قراءة إصدارات قليلة من الكتب السينمائية، القليلة أصلاً، الصادرة عن "خطوط وظلال" (لكونها الأحدث تأسيساً)، تدفع إلى تمنٍّ، عميق وصادق: يا ليت تلك الدار غير مُهتمّة بالسينما (على الأقلّ)، نهائياً.

المساهمون