"خيال صحرا"... لبنان منذ حربه المستمرّة

22 اغسطس 2024
جورج خباز وعادل كرم نهاية العرض (فيسبوك)
+ الخط -

في مسرحية "خيال صحرا" يضع الكاتب والممثل والمخرج اللبناني جورج خباز نفسه في المكان الأقرب إلى قلبه (أي خشبة المسرح)، مرّة أخرى بعد تجارب كثيرة له، تنقّل فيها بين السينما والتلفزيون.
يتناول جورج خبّاز (مؤلّف المسرحية والممثل فيها)، قضايا وأموراً تشغل الرأي العام. يعود ذلك إلى إيمانه بضرورة النظر إلى التاريخ كي نتعلم منه. وبطبيعة الحال، سقف الحرية على المسرح أكبر من مساحات النص التلفزيوني المفترض أن يبقى ضمن الإطار الخاص في الدراما. لكننا في "خيال صحرا" أمام تاريخ يحاصر أعمار اللبنانيين منذ بدايات الحرب الأهلية في عام 1975 حتى يومنا هذا. ولا يمكن لخبّاز أن يفصل نفسه عن هذا التاريخ، جاعلاً من زميله عادل كرم شريكاً في التمثيل، فكرم أيضاً ينتمي إلى الجيل نفسه.
برؤية إخراجية تعتمد على الغرافيكس، نعود إلى خطوط التماس التي فصلت بين العاصمة بيروت وضواحيها إبان فترة الحرب الأهلية. يُستعاد القناصون الذين كانوا يصطادون الناس من الطائفتين المسيحية والمسلمة. لكن خباز يختزل آلة القنص في صداقة تجمع بين قناصين؛ الأول مسيحي والثاني مسلم، عاشا طفولة اضطهاد أوصلتهما إلى الانخراط في الأحزاب الطائفية، بوعد انتصار طائفة على أخرى. لاحقاً، يتحول كلا القنّاصَين إلى ثريين. تعكس "خيال صحرا" منطق التجييش الذي ما زال يعاني منه لبنان حتى الآن، منطق "نحن وهم" الذي يرخي بظلاله على يوميات الشعب اللبناني.
نلاحظ في العرض مبارزة متماكسة في الحوار من جهة الرواية إلى حد السخرية، وتجاوز الخط الأحمر في المفردات المستعملة. كل ذلك جاء خدمةً للنص المسرحي الذي يمكن أن يحقق كثيراً لخبّاز إذا وظفه مستقبلاً على هذا النحو.
يوثق خبّاز يوماً على خط التماس. تفاصيل مثيرة لحياة وطفولة الشابين، تفتح الجرح مرة أخرى على واقع لبنان وقدرة زعيم الحزب، أو المليشيا، على تجنيد الناس، والتخلي عنهم لاحقاً.
يتناول القسم الثاني من المسرحية الثمن الذي دفعه اللبنانيون، وتحديداً هؤلاء الذين اختاروا البندقية وشاركوا في قتل أنفسهم قبل شريكهم في البلاد.
النهاية تكاد تكون مبكية. لا يمكن إلّا أن تُسجّل لصالح المسرحية والكاتب والممثلين. للمرة الأولى نصل إلى نتيجة الحرب وأسبابها، بتسليط الضوء على من كُتبت لهم الحياة ما بعد هدوء المدفع.

يقف الاثنان حارسَين على مصرف آلي. أكل عليهما الدهر وشرب. والعمر يحارب حوائج الزمن بعد زواج كلّ منهما وإنجابه أولاداً. مشهد يبدو أشبه بيوميات كثيرين اختاروا الانخراط في الحرب، وانتهوا لقمة سائغة تخلى عنها زعماء الأحزاب. ورغم ذلك، ما زال الحزب يمارس إرهابه على الشبان والبلاد طمعاً في السلطة. والواضح، بحسب النهاية ذاتها، أن أحداً لم يعتبر، وأنّ كثيرين لا يريدون أن يتعلّموا شيئاً بعد كلّ هذه السنوات.
نكتشف في "خيال صحرا" قدرات عادل كرم التمثيلية في المسرح الواقعي، بعيداً عن الكوميديا والدراما التلفزيونية. كما أنّ جهداً "إنتاجيًا" لطارق كرم (شقيق عادل)، يستحق الثناء؛ إذ عرف كيف يوظف هذا الثنائي ويكسب الجولة هذه المرة.

المساهمون