خطوة وارسو نحو تقييد حرية الصحافة

15 اغسطس 2021
من الاحتجاج على القانون الجديد (بيتا زاورزل/نورفوتو/Getty)
+ الخط -

تبنى مجلس النواب البولندي، الأربعاء الماضي، ما يسمى "قانون الإعلام" الذي يصفه ساسة وصحافة الاتحاد الأوروبي والمجتمع المدني البولندي بـ"سيئ السمعة"، إذ إنّه سيضعف حرية الصحافة وغيرها من حريات التعبير والرأي في هذا البلد الذي يعيش مآزق متتالية في علاقات حاكميه القوميين المحافظين وساسة عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل.

فرغم الاحتجاجات الشعبية في أكثر من 80 مدينة بولندية ضد الـ"هجوم على حرية الصحافة"، في بلد يلعب الإعلام دورًا هامًا وكثيفًا، تمكنت حكومة "العدالة والقانون" المتشددة برئاسة ماتيوز مورافيكي، من تمرير قانونها المقيد لحرية الصحافة من خلال تشديد قواعد الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام البولندية". وسيحظر القانون الجديد ما يسمى "امتلاك محطات تلفزيونية من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية". وإذا كان المستهدف في قانون الإعلام الجديد هو إغلاق المحطة التلفزيونية "تي في إن" المملوكة من ديسكافيري الأميركية، والتي تصنف على أنها مستقلة، بسبب تحقيقها مرات عديدة في قضايا فساد خطيرة، إلا أن المعارضين يرونها خطوة لمركزة وسيطرة الدولة على سلطة الإعلام المستمرة منذ 2016 بعد السيطرة على القضاء. 

وتسبب تبني القانون الجديد في انهيار الحكومة الائتلافية بين المحافظين والقوميين في "القانون والعدالة"، وذلك بعدما عارض نائب رئيس الحكومة، المحافظ ياروسلاف غوين، قانون الإعلام الجديد، معتبرا إياه خطيراً على حرية الصحافة. لم يرق موقفه لرئيس الحكومة، مورافيكي، الذي أقال غوين، بحسب ما أعلنه، فيما غوين أفاد بأنه استقال، وهو ما أفقد الحكومة أغلبيتها البرلمانية. ومن بين 460 برلمانيا صوّت 229 لمصلحة القانون الجديد مقابل معارضة 227، وامتنع 10 عن التصويت. ومع انسحاب المحافظين، 12 مقعدا، من الائتلاف يبقى الحزب القومي دون الأغلبية المطلوبة البالغة 232 مقعدا، وذلك يوضح أيضا مدى الانقسام الذي تعيشه بولندا بسبب السياسات المقوضة للحريات منذ 2015.

يحظر القانون امتلاك محطات من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية

ويشارك مهاجرون بولنديون حول العالم في الاستثمار في تقنيات الإعلام في بلادهم، وأغلبهم من أصحاب الميول الليبرالية، ما يعده الحزب القومي تهديدا لسلطتهم، على طريقة رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، الذي استطاع أيضا السيطرة على معظم الصحافة والإعلام في بلده بحجة محاربة "المؤامرة الليبرالية" على مجتمع بلاده، وبالأخص باتهام الملياردير المجري الأميركي جورج سوروس. وتذرع الحزب الحاكم في تشديده القانون الإعلامي في البلاد بحجج "حماية المجتمع البولندي من القوى الأجنبية مثل الصين والولايات المتحدة"، فيما يرى معارضوه أنه يأتي في سياق مركزة السلطات في يد السلطة، وهو ما جرى مع القضاء في وقت سابق، حيث يثير اليوم مخاطر جدية لصدام بولندي-أوروبي. وعلى ذات النسق الأيديولوجي القومي المتشدد، يسوق حزب "القانون والعدالة" خطابه المتعلق بالإعلام باعتباره يحاول "حماية البولنديين من تأثير وسائل الإعلام على حياتهم الاجتماعية"، وهو ما أثارته نقاشات "قانون الإجهاض"، الذي مرر ومنع في البلاد، وقوانين السيطرة على القضاء. وعلى الرغم من أن القانون سيحال إلى الغرفة الثانية في البرلمان، مجلس الشيوخ، لتمريره، إلا أن الحكومة المحافظة واثقة من تمريره بعد تبنيه من مجلس النواب.

ويعتقد القائمون على مؤسسة الأبحاث الألمانية، جيرمان مارشال، في وارسو أن القانون الجديد "سيقوض جديا حرية الصحافة في بولندا". وشدد مدير مكتب المؤسسة في وارسو، ميكال بارانوفسكي، على أنه "قانون سيضع البلاد في مواجهة واشنطن والاتحاد الأوروبي على حد سواء". ونوه في السياق، في تصريحات معقبة على القانون، الخميس، بأن "الإدارة الأميركية الجديدة (جو بايدن شخصيا) تعتبر حرية الصحافة إحدى أهم الأجندات، واستهداف قناة تي في أن TVNهو أكبر استثمار إعلامي أميركي في بولندا".

القوانين المتشددة تأخذ بولندا نحو حكم سلطوي بنزعة استبدادية

وذهب محللون بولنديون وأوروبيون الخميس إلى اعتبار أنّ تشدد حكومة وارسو القومية سيؤثر أيضا على العلاقة الدفاعية والأمنية مع الأطراف الغربية، وهو أيضا ما دفع الاتحاد الأوروبي الأربعاء إلى توجيه انتقادات شديدة لوارسو حيث اعتبرت مفوضيته أنه قانون "لا ينسجم مع قيم الاتحاد الأوروبي حول الديمقراطية". ويعتقد الأوروبيون المنتقدون لتصرفات وارسو أن القوانين المتشددة المتواصلة تأخذ البلاد نحو "حكم سلطوي بنزعة استبدادية"، وفقا للباحث السويدي في سياسات وارسو بيتر يوهانسون الذي نفى أن يكون القانون الجديد كما يشاع "لوقف النفوذ الصيني والروسي، فالأمر بسيط: أنت تستهدف أكثر قناة شعبية في بولندا لاستهداف نحو 49 في المائة من ملاك وسائل الإعلام". 

وقضية حظر ملكية وسائل الإعلام من الأجانب ليست سوى خطوة لاستهداف مؤسسات ومواقع صحافية مستقلة أخرى برأي المتظاهرين، الذين خرجوا لأيام بعشرات الآلاف للتعبير عن رفضهم استمرار سياسات التشدد القومي. ويبدو أن شهية القوميين المحافظين فتحت أكثر نحو فرض أيديولوجيتهم الخاصة في الحكم، إذا عبّر وزير العدل في الحكومة المنهارة زبيغنيو زيوبرو عن الرغبة في انسحاب بلاده من اتفاقية إسطنبول (في عام 2011، وصدق عليها الاتحاد الأوروبي في عام 2017) لحماية النساء من العنف، وذلك بعد تبني حظر الإجهاض، وهو ما أدى أيضا إلى تأزم في الشارع منذ أواخر يوليو/تموز الماضي بنزول النساء والشباب في احتجاجات.

المساهمون