عاشت قطر ساعات تاريخية في ختام مونديال 2022 الذي تزامن مع يومها الوطني، فكانت الاحتفالات التي عمّت البلاد أكبر مسرح جماهيري أقيم على أرض عربية وشاهده مئات الملايين عبر العالم.
وكان استاد لوسيل، أكبر استادات قطر الثمانية التي احتضنت على مدار أربعة أسابيع مونديال قطر 2022، يحتشد بثمانية وثمانين ألفاً من الحضور، يتقدمهم عدد من قادة الدول والمسؤولين، ليشاهدوا النهائي بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا، وهي المباراة رقم 10 بين 63 مباراة في ضيافة الاستاد المبني بأحدث طرز العمارة المستلهمة من عناصر التراث العربي الإسلامي. وإلى جانب الحضور السياسي والرياضي الرسمي، كان لافتاً حضور الملياردير الأميركي إيلون ماسك.
#elonmusk shaking hands with “everyone” at #ArgentinaVsFrance match in #Qatar2022#QatarWorldCup pic.twitter.com/MZwwJzFDfB
— Reema Abuhamdieh (@ReemaAHamdieh) December 18, 2022
هذه حوالي ربع ساعة احتفالية سبقت المباراة، وتكثفت فيها فنون بصرية من أرضية الملعب حتى أعلى نقطة من سمائه المفتوحة، مع توليفات غنائية ضمت مقاطع من التراث القطري، وخصوصاً الأهازيج التي تصاحب العرضة، ومقطعاً أثيراً من الأغنية الخليجية الشهيرة "ليلة".
كما أدى فريق نسائي من المغنية والراقصة الهندية المغربية الأصل الكندية المولد نورة فتحي ورحمة رياض وبلقيس ومنال أغنية Light the Sky، وقدم المغني النيجيري دافيدو وعايشة أغنية "هيا هيا"، والبويرتوريكي أوزونا والكنغولي الفرنسي غيمز أغنية "أرحبو"، وهي من الأغاني الرسمية لكأس العالم التي ضمها الألبوم الغنائي الذي أصدرته الفيفا.
وللشعراء الذين يبنون أبياتاً في اللغة مستعارة من بيوت البشر، كان الشاعران الفلسطيني تميم البرغوثي والموريتاني محمد ولد بمبا يقدمان نصاً بالتناوب بينهما مستلهماً من يوم عربي في حضور عالمي، أو يوم عالمي على أرض عربية.
وفي بعض ما قاله البرغوثي تساءل "ما الذي يدعو الحزين إلى الغناء؟ ما الذي يأتي بشاعر مثلي إلى احتفال كهذا؟"، مجيباً أن "اللعب زيارة قصيرة لعالم بديل. ساعتان من المساواة والعدل. فلا ترى فريقاً يلعب بأحذية نفاثة وفريقاً حافياً، وفريقاً يركض في طول الملعب وعرضه وآخر يحتاج لتأشيرات ليجتاز خط الوسط".
ابتدأت التظاهرة الكبرى في قطر منذ النهار في البحر، حيث السفن الشراعية تجوب شاطئ الدوحة، وعلى البر في كل مناطق المشجعين والشوارع التي اندمجت فيها فعاليات اليوم الوطني، وخصوصاً "درب الساعي"، الاحتفال التقليدي المواكب سنوياً لليوم الوطني، ومظاهر ضجت بها كتارا، ومشيرب، وكورنيش الدوحة، ومناطق الاحتفالات في المدن القطرية الأخرى شمالاً وجنوباً.
وفي السماء جابت تشكيلات من الطائرات الاستعراضية، بينما كانت الجماهير من مختلف دول العالم تؤدي عروضها.
29 يوماً بالتمام والكمال عرفت فيها قطر تجربة نادرة، استقبلت فيها أكثر من مليون و400 ألف زائر من أنحاء العالم، بينما كان الحضور الجماهيري لمباريات البطولة يقارب 3.4 ملايين مشجع، بمتوسط حضور للمباراة الواحدة يتجاوز 53 ألف مشجع، وبطاقة استيعابية إجمالية تجاوزت 96%، بحسب بيان اللجنة العليا للمشاريع والإرث.
سجلت هذه المناسبة العالمية حكاية استثنائية بين البطولات التي شهدها تاريخ كأس العالم منذ 1930، حيث صُممت الملاعب الثمانية على جغرافية متقاربة، ما مكن الآلاف من حضور أكثر من مباراة في يوم واحد خلال المراحل الأولى من منافسات البطولة.
واكبت هذه المناسبة العالمية أطياف واسعة من الأنشطة الثقافية التي حرص المنظمون بدقة على تمثيلها من قارات العالم. لم تكن الدول الاثنتان والثلاثون فقط في ساحات ومسارح قطر، بل احتفت الفعاليات بحضور واسع من ثقافات وفنون من أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، في تجمّع قائم على الحوار والمعرفة بين اللغات والفنون ذات التنوع والمشترك في آن.
اختتمت السردية الكبرى في لوسيل، المدينة الحديثة، على بعد 15 كيلومتراً شمال العاصمة القطرية الدوحة، لتظل مفتوحة على سرد جديد، كما منحتنا أيقونة العالم العربية الأصل "ألف ليلة وليلة".
وإذ يحفر العرب في ذاكرتهم هذه المناسبة التاريخية، فإنهم عبر هذه الأسابيع تابعوا لأول مرة وصول منتخب عربي إلى نصف النهائي، في ظاهرة لم تخف على العين جمعت 400 مليون عربي في مشهد وحدوي افتُقد منذ زمن، كما سبقه منذ اليوم الأول للمونديال حضور فلسطين، المنتخب رقم 33، بحسب ما وصفته صحيفة برازيلية، فكانت أعلام فلسطين رمزاً أخذ مكانه بقوة في الملاعب، وكل أركان العاصمة القطرية بين المشجعين العرب وحتى الأجانب.