حمامات كربلاء الشعبية... أبعد من النظافة الشخصية

30 أكتوبر 2021
تستقبل هذه الحمامات الرجال فقط (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تعود الحمامات الشعبية القديمة في مدينة كربلاء إلى حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى، حيث الطراز العثماني في البناء الذي ما زال محافظاً على نفسه، مع مواصلة القائمين عليها التجديد والإدامة بين فترة وأخرى، إذ يصر السكان من الرجال على ارتياد تلك الحمامات، فبعضهم يقصدها للاستمتاع بأجوائها المميزة والمشروبات التي تقدم هناك، وآخرون يقصدونها ضمن تقليد يرتبط بمناسبات الأعراس، إذ يؤخذ العريس مع أصدقائه إلى هناك.

ينتشر عدد من الحمامات في حارات وأحياء كربلاء القديمة. وهي من ناحية البناء والتصميم، لا تختلف عن حمامات حلب والموصل ودمشق وبغداد. تنتمي كل هذه الأبنية إلى الحقبة التاريخية ذاتها؛ لنلاحظ القباب والأروقة الداخلية وطريقة تسخين المياه، وحتى صابون الغار المستقدم من لبنان أو سورية. ومن أبرز الحمامات الشعبية التي ما زالت قائمة منذ ما يقارب القرنين من الزمن حمام "سعيد الشروفي" الذي يعود إلى الحقبة العثمانية، وفقاً للجنة التراث والآثار في المدينة.

كان يُعرف هذا المكان سابقاً باسم "حمام الفرات"، ويشابه باقي الحمامات القديمة من ناحية منصات التدليك للزبائن، والمساج العلاجي، والاستحمام الفردي، ومناطق البخار الحار والماء العلاجي وغيرها، وبات كثير من العراقيين يفدون إلى كربلاء، قاصدين الحمام بين فترة وأخرى، من أجل التمتع بطقوسه، وفق ما يذكر أحدهم.

كانت الحمامات الشعبية في العراق واحدة من أساسيات المدن، إذ لم تتوافر في المنازل، بسبب ضيقها، مصادر مياه بشكل مستمر، خاصة في أوقات الشتاء. وكانت هناك، في العراق أيضاً، حمامات خاصة للنساء، لا يدخلها غيرهن. وفي بعض المناطق، كان يمنع حتى مرور الرجال بالقرب من تلك الحمامات، إلا أنها تلاشت مع الزمن، وبقيت فقط حمامات الرجال قائمة.

يباع في هذه الحمامات العطور والملابس الداخلية الجديدة، ومواد الحلاقة المختلفة، إضافة إلى الصابون والخواتم. من أهم الحمامات القديمة في كربلاء، حمام "المالح" الذي يقع في منطقة باب الطاق، وحمام "النمرة" في منطقة العباسية، وحمام "نينوى"، وحمام "القبلة"، وحمام "سعيد الشروفي" الذي ما زال يعمل ضمن منطقة باب السلالمة.

علي محمد المستثمر الحالي لحمام "سعيد الشروفي" التاريخي في المدينة، يقول إن المبنى خضع لعدة ترميمات، أحدها إبان الاحتلال البريطاني عام 1919، وأعقبته إعادة افتتاح رسمي له عام 1920، وبقي محافظاً على التصميم الأساسي له. يشير محمد إلى أنه يواجه الآن مشاكل عدة في ترميمه، لكون الحمام مدرجاً على قائمة وزارة الآثار والسياحة، وتضع الوزارة عراقيل أمام أي عمليات ترميم أو تجديد، على اعتبار أنها تُخلّ بتصميمه الأساسي. ويشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحمام ما زال يهيمن على ذاكرة الكربلائيين، وهو جزء لا يتجزأ من هويتهم الشعبية وتراثهم، وفيه جرت قصص وذكريات يتناقلها الأجيال، جيلاً بعد آخر".

أحد العاملين في الحمام، عمار الخفاجي، يقول إنهم يستقبلون الكثير من المواطنين أيام الأعياد والمناسبات، وحالياً تُقدَّم خدمات العلاج الطبيعي (التدليك والساونا)، مقابل أسعار بسيطة جداً، تناسب جميع الطبقات المجتمعية، وأما في المناسبات الدينية، كالزيارات المليونية، فيكون عمل الحمام مجاناً، من دون أي مقابل.

ويعتبر علي النواب، هو من سكان المدينة القديمة في كربلاء، أن العادات المتوارثة في كربلاء منذ قرون مهمة للحفاظ على هويتها وماضيها. ويضيف النواب أن الحمامات واحد من مظاهر كربلاء القديمة التي يجب أن تبقى. وحالياً، على الرغم من توافر الحمامات في المنازل، وتوافر مختلف الخدمات فيها، إلا أن الناس يبقون راغبين في تجربة هذه الحمامات، حتى بالنسبة إلى الشباب، لكونها تحوي تاريخاً وتراثاً، وأيضاً فيها طقوس جميلة يمكن الاستمتاع بها، معتبراً أن قيمتها تتعدى كونها مكاناً أو مرفقاً للنظافة، إلى ما هو أبعد من ذلك.

دلالات
المساهمون