حصاد أغاني 2022... مجرّد أرقام

02 يناير 2023
مغني الراب الجزائري Mc Artisan (فيسبوك)
+ الخط -

مر المشهد الغنائي خلال عام 2022، من دون أن يترك أي علامة فارقة يمتاز بها عن الأعوام التي سبقته، باستثناء أن مواقع التواصل الاجتماعي، تخبرنا عن حظوظ، وأخرى انخفضت بالنسبة إلى نجوم الغناء. بينما حافظ نجوم بارزون على حضورهم نسبياً.

واللافت أن أغاني المهرجانات خفت وهجها هذا العام، بإصدارات لم تلق نفس الاهتمام والمتابعة من الجمهور. ولعل الأزمة التي أثارها رئيس نقابة الموسيقيين السابق في مصر، هاني شاكر، كان لها دور ما في تعطيل مسار هذا النمط الغنائي. وبخلاف أغنيتين أو ثلاث حظيت بنجاح لافت، أبرزها مهرجان "إنت قلبي وربنا"، الذي تجاوزت مشاهداته 91 مليون مشاهدة تقريباً خلال هذا العام على يوتيوب، وبدرجة أقل مهرجان "مالك يا صاحبي احكيلي"، محققاً 49 مليون مشاهدة حتى الآن، لم تلق بقية الإصدارات في هذا السياق أي اهتمام يُذكر.

وليس بعيداً أن هذا التيار القادم من هامش الغناء، استنفد البريق الذي صاحبه خلال السنوات الماضية، كلاماً ولحناً. لكن ما زال الحديث عن أن فورة المهرجانات في طريقها إلى الاضمحلال سابقاً لأوانه؛ إذ أصبح تياراً يتمتع بحضور وجمهور كبيرين. ولا يمكن البناء على عام أو عامين، خصوصا إذا واكبت هذا التيار أنماط موسيقية جديدة، محاكيةً التطور في صناعة الموسيقى.

تُصنف المهرجانات على أنها إحدى أشكال موسيقى الأندرغراوند، التي ازدهرت مع ثورة 25 يناير في مصر. نفس الشيء بالنسبة للراب، وهذا الأخير برز فيه على وجه الخصوص الرابر المصري ويجز. لكن هذا العام كان بالنسبة لويجز الأفضل، إذ أصدر أكثر أعماله نجاحا حتى الآن، أغنية "البخت". وبعد عشرة شهور من نشرها على "يوتيوب" ما زالت تحظى باهتمام الجمهور، محققة 166 مليون مشاهدة.

وكانت بلدان المغرب العربي سباقة في مجال غناء الراب، مقارنة بنظيرتها المشرقية. ولعله عامل في ظهور الراب المغاربي بصورة أكثر إتقاناً وحدّة عنه في مصر والبلدان العربية الأخرى. وربما لذلك صلة بطابع اللهجات المغاربية، ووقعها الصوتي. وهذا ما يمكن ملاحظته في أغنية الراب المغاربية الأكثر نجاحاً، أغنية Glock Ft Didine Canon 16، للرابر الجزائري Mc Artisan، واسمه الحقيقي أيمن جفال. حققت أغنيته ما يزيد عن 127 مليون مشاهدة، بعد تسعة شهور من صدورها.

تمتاز أغاني الأندرغراوند، بتناولها قضايا اجتماعية وتلميحاتها لمشاكل سياسية. وهذا على صعيد خطابها، المستند إلى الكلام اليومي، مقارنة بقاموس الغزل المستهلك لأغاني البوب. وهذا الخرق حملته مضامين المهرجانات في مصر، وإن انشغلت بالغزل، فإنها أثارت الرقابة المصرية، بمفرداتها المتمردة والملتصقة بالكلام اليومي.

وبطبيعة الحال، شجّع هذا الخرق كتاب الأغاني الأخرى على إدخال مفردات جديدة على الأغاني، وإن لم تختلف مضامينها أو مواضيعها. وهو ما نراه في أغنية محمد حماقي، "أدرينالين"، التي من عنوانها استخدمت لفظاً غير مألوف، لكن مضمونها الخطابي لم يتغير، إذ يصف تأثير لمسة المحبوبة وتحفيزها للأدرينالين لديه. بينما اتسم لحنها برتم سريع راقص وطابع شعبي، منسوج بالجمل اللحنية أو الطابع الإيقاعي. وكانت إحدى أغاني الترند هذا العام، إذ وصلت مشاهداتها إلى أكثر من 60 مليوناً منذ نشرها على "يوتيوب".

ولا جديد بالنسبة لحماقي، كونه أحد نجوم الغناء العرب الذين حافظوا على مستوى نجاحهم خلال السنوات الأخيرة. كما هو الحال بالنسبة للفنانة اللبنانية نانسي عجرم، إذ حازت أغنيتاها، "صحصح" و"على شانك" باهتمام، لكن الأخيرة التي تجاوزت خلال أسبوع تسعة ملايين مشاهدة على "يوتيوب"، تباطأت خلال ما يزيد عن شهرين لتصل إلى عشرين مليون مشاهدة. وهذا الحضور المستقر لبعض النجوم، يشمل تامر حسني وكذلك أصالة نصري، اللذين يحضر كل منهما بأغنية أو أكثر، تحقق نجاحا على مواقع التواصل الاجتماعي. ويشترك الاثنان بأنهما الأكثر نجاحاً في إثارة الجمهور لكثر عمليات التجميل التي غيرت ملامحهما.

على صعيد آخر، واجهت إليسا فشلاً على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ لم تحقق أغاني ألبومها السابق، "صاحبة رأي"، نجاحاً يذكر. لكنها عادت بقوة عبر دويتو "من أول دقيقة" مع سعد لمجرد، محققة ما يزيد عن 312 مليون مشاهدة على "يوتيوب". وهي الأغنية العربية الأعلى من حيث المشاهدات، بين أغاني عام 2022.

بالنسبة إلى لحن الأغنية، فلا جديد بطابعها الرومانسي المستند إلى طراز بالاد (Ballad). لكن إليسا نجحت في إنقاذ خيبتها الأخيرة على نفس الطريقة التي برزت فيها في أول مشوارها، عندما قدمت دويتو "بتغيب بتروح" إلى جانب الفنان اللبناني راغب علامة مطلع الألفية. وهذه المرة بدويتو مع المغربي سعد لمجرد، الذي تحقق أغانيه نسبة مشاهدة ربما الأعلى بين النجوم العرب، رغم قضايا الاغتصاب والتحرش التي تلاحقه.

أيضا، حمل هذا العام النجاح الأكبر على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي. من أكثر الفنانين حضوراً في هذا السياق، المغني المصري أحمد سعد؛ إذ حقق هذا العام أفضل نجاح له على الإطلاق؛ فأغنيته "عليكِ عيون"، تقترب من المئتي مليون مشاهدة، بعد عشرة أشهر على صدورها. وتقريبا نصف المشاهدات حازتها أغنيته الأخرى، "سايرينا يا دنيا".

الأمر نفسه بالنسبة إلى المغنية اللبنانية ميريام فارس، التي حصدت أغنيتها "هذا الحلو" قرابة 180 مليون مشاهدة خلال تسعة أشهر. ولعل غناءها بلجهة عراقية ساهم في نجاح الأغنية؛ إذ تجمع بين دبكة الجوبي العراقية والدبكة اللبنانية. هذا بخلاف نجاح الأغنية (من حيث عدد المشاهدات) التي قدمتها لنهائيات كأس العالم التي استضافتها دولة قطر.

أما مواطنتها هبة طوجي، فيبدو أن أغنيتها "لو نبقى سوى"، لم يشفع لها غناء البورتوريكي، لويس فونسي، بجانبها لتصبح "ترند". فونسي هو صاحب أغنية "ديسباسيتو" الشهيرة، التي ظلت لفترة صاحبة الرقم القياسي لعدد المشاهدات على "يوتيوب". لكن أغنية طوجي، التي بدات بتحقيق مشاهدات كبيرة في أول ستة أيام، لتصل إلى ستة ملايين مشاهدة، أخفقت خلال شهرين بأن تضاعف الرقم أكثر، ليصل مجمل مشاهداتها حتى الآن إلى 11 مليون مشاهدة فقط.

من ناحية أخرى، يبدو أن الساحة تبحث عن أنماط جديدة؛ فهناك أغنية الليبي جودي الحوتي، "ويش جابك"، التي حصدت 51 مليون مشاهدة بعد مرور أكثر من ثلاثة اشهر. وفي نفس الفترة تقريباً، وصلت مشاهدات الأغنية العراقية "قلبي إلو"، إلى 70 مليون مشاهدة، وهي لفرح شريم.

واللافت أن بعض أغاني الترند، تشبه ضربات الحظ، بانسجامها مع ميول الجمهور. ومرتبطة بعدة عوامل ومتغيرات، بما فيها نجومية الفنانين. غير أن بعض الإصدارات للمشاهير لم تنل الاهتمام نفسه، كما هو حال أغنية شيرين عبد الوهاب، "المترو"، التي حصدت 1.4 مليون مشاهدة فقط منذ صدورها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبطبيعة الحال، لا يمكن الحكم على حضور نجم من خلال أغنية أو موسم.

لكن مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت صناعة الموسيقى إلى عصر الأغنية الواحدة؛ فيكفي أن تنجح أغنية لأحد الفنانين الشباب، حتى ترتفع نجوميته. وأبرز مثال على ذلك، الفنان الشاب مسلم، بعد صدور أغنيته "اتنسيت" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لتصبح واحدة من أكثر الأغاني مشاهدة على "يوتيوب"، بتجاوزها 340 مليون مشاهدة. على أن إصداريه الأخيرين هذا العام، لا يبدو أنهما سيحققان نفس النجاح.

لكن هناك عامل مهم اليوم يلعبه الترند، في منصات التواصل الاجتماعي؛ إذ يمكن لأغنية أن تتضاعف مشاهداتها بعد مرور فترة من صدورها، وأحياناً يحدث هذا فور نشرها. على أن حضور منصات الإنترنت، غير واقع صناعة الموسيقى من عصر الألبوم إلى عصر الأغنية الواحدة؛ فيمكن لأغنية واحدة فقط إعلاء نجومية فنان، وقد أصبحت صناعة الموسيقى مشغولة بالترند أكثر من الموسيقى.

المساهمون