حسين كمال والفرص المهدورة

06 فبراير 2021
حسين كمال (محمد السحيتي/فرانس برس)
+ الخط -

لا شك في أنّ حسين كمال (1934 ــ 2003) قيمة وقامة فنية لا يُستهان بهما. قدم هذا المخرج المصري الرائع الكثير من الإبداع في مختلف المجالات: من السينما والتلفزيون إلى المسرح والإذاعة.

من منا ينسى شهرته التلفزيونية الأولى في "رنين" وهي  شبه مونودراما تلفزيونية، قدمتها الكبيرة سناء جميل في الستينيات؟ من منا ينسى أولى تجاربه السينمائية "المستحيل" لكمال الشناوي وسناء جميل؟ كذلك رائعة يحيى حقي "البوسطجي" لشكري سرحان وصلاح منصور. وهناك أيضاً، عمله الاستعراضي الخالد "أبي فوق الشجرة " رغم هجوم النقاد وقتذاك عليه. اعتبر هؤلاء أن الفيلم، نكسة لمخرج من المُفترض أن يستمر بتقديم أعمال أرقى، كونه بدأ واعداً متميزاً، وكان قد قدَّم ملامح سينمائية خاصة به.

كان الهجوم على الفيلم يستذكر الشريطين المتميزين "المستحيل" و"البوسطجي"، ويقيم مقارنة بين هذه الأعمال على اعتبار أن "أبي فوق الشجرة" مهما بلغ تميزه الاستعراضي يظل حبيس ميلودراما عقيمة مكررة لا تليق بقيمة فنية كحسين كمال.
وعلى عكس توقعات النقاد فقد نجح العمل واستمر عرضه لمدة سنة بنجاح متواصل. أدار النجاح رأس مخرجنا الكبير واستطاع أن يقود مسيرة حافلة بالتفوق وأن يُقدم المزيد من الإبداع.

فيما بعد أمتعنا بعمله الفني الكبير "مولد يا دنيا" الذي ضم نخبة من الكبار محمود ياسين، وعفاف راضي، وعبد المنعم مدبولي، وسعيد صالح. نجح الفيلم نجاحاً مدوياً. ثم قَدَّم فيلم "إحنا بتوع الإتوبيس" الذي رصد فيه تجاوزات مراكز القوى، مع عبد المنعم مدبولي، وعادل إمام، وسعيد عبد الغني. نجح الفيلم نجاحاً مدوياً كذلك.

بالطبع لا أحد ينسى رائعته المسرحية "ريا وسكينة" لشادية وسهير البابلي. كذلك الأمر بالنسبة لفيلمه المهم "شيء من الخوف" لشادية ومحمود مرسي الذي كاد أن يُمنَع من العرض لانتقاده النظام الديكتاتوري، لولا موافقة الرئيس جمال عبد الناصر في اللحظات الأخيرة.

ونتذكر كذلك فيلمه "ثرثرة فوق النيل" الذي قَدّم تشريحاً قاسياً لمجتمع الستينيات وضم نخبة تألقت في أدوارها مثل : عادل أدهم، وعماد حمدي، وماجدة الخطيب، وميرفت أمين، وأحمد رمزي، وأحمد توفيق.

لكن رغم هذا التاريخ الحافل بالنجاح والفن والإبداع تجاهلته شركات الإنتاج في سنواته الأخيرة، وعاش في عزلة إنسانية وفنية، وعندما عاد وتحمس لإخراج سيناريو بعنوان "سماح والليالي الملاح" من بطولة مغن مغربي شاب، واتفق مع شركة إنتاجية على تنفيذه، اكتشف أنّ الشركة اتفقت مع المغني المغربي على تقديم الفيلم من دون حسين كمال. بعد هذه الحادثة اعتذر الفنان المغربي تماماً عن المشاركة في المشروع وعاد إلى بلاده.

تبدّد حلم حسين كمال بالعودة إلى السينما بعمل كبير، فساءت حالته الصحية النفسية. سافر بعدها إلى العلاج في مستشفى بألمانيا، ثم عاد إلى مصر حيث أصيب بنوبة ضيق تنفس أثناء صعوده للسلم المؤدي إلى شقته. فارق مخرجنا العظيم الحياة على السلم مودعاً رحلة مليئة بالمجد والنجاح. ولكنها أيضاً مليئة بالتجاهل والحسرة.

إنها رحلة الحصول على الذهب التي غالباً ما تنتهي بفقده.

دلالات
المساهمون