يواجه علماء الفلك مشكلة حديثة نسبياً، يطلقون عليها اسم "حزن السماء"، أو الحزن على فقدان السماء المظلمة، أو عدم القدرة على رصد السماء في أثناء الليل. لكن هذه المشكلة قد تتفاقم أكثر في المستقبل، إذ أظهرت دراسة جديدة أن القمر الاصطناعي BlueWalker 3، يمكن أن يلمع في بعض الأحيان بدرجة سطوع عالية، تقارب قوة سطوع النجم.
وفقاً للدراسة التي نشرت في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول في مجلة نيتشر (Nature)، تألق هذا القمر الاصطناعي مرتين خلال حملة مراقبة بصرية دولية استمرت لعدة أشهر، مصممة لقياس تأثيره في سماء الليل.
أطلقت شركة AST SpaceMobile في ولاية تكساس الأميركية القمر الاصطناعي في سبتمبر/ أيلول من عام 2022. ويُعَدّ أكبر قمر اصطناعي للاتصالات حتى الآن. وتخطط الشركة نفسها لإطلاق قرابة 150 من هذه الأقمار الاصطناعية في المستقبل.
ويحذر الباحثون من أنه على الرغم من الجهود العديدة التي تبذلها صناعة الطيران وصناع السياسات وعلماء الفلك للتخفيف من تأثير هذه الأقمار الاصطناعية في علم الفلك الأرضي، يستمر الاتجاه نحو إطلاق أقمار اصطناعية أكبر وأكثر سطوعاً في النمو.
يوجد حالياً 8693 قمراً اصطناعياً تدور حول كوكبنا، معظمها في مدار أرضي منخفض، وفقاً لقائدة فريق البحث سانجيثا نانداكومار، أستاذة علم الفلك في جامعة أتاكاما في تشيلي، التي تشدد على ضرورة اتخاذ خطوات أكثر فعالية للتخفيف من آثار أسراب الأقمار الاصطناعية هذه.
أوضحت نانداكومار في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن نحو 100 ألف كوكبة من الأقمار الاصطناعية، ستكون في مدار الأرض بحلول عام 2030، الأمر الذي سيغير السماء ليلاً بشكل كبير.
"تحاول شركة ستارلينك التقليل من تأثير أقمارها الاصطناعية، على الأقل من خلال طلائها بطلاء يقلل من سطوعها، وإصلاح إشارات الراديو المتسربة، لكن BlueWalker 3 يؤكد الحاجة الملحة للتنظيم"، وفقاً للباحثة.
راقبت نانداكومار وزملاؤها القمر الاصطناعي عند وصوله إلى موقعه، حيث ظهر القمر الاصطناعي BW3 ساطعاً جداً. وأضافت الباحثة: "تؤكد الملاحظات البصرية أن سطوع القمر الاصطناعي BW3 يزداد عندما يكون على ارتفاع أعلى فوق الأفق، وتشير إلى أن النطاق بين الراصد والقمر الاصطناعي مساهم أساسي في الحجم الظاهري/المرصود. يظهر السطوع الظاهري لـBW3 أيضاً ارتباطاً بزاوية الطور الشمسي، ويظهر أكثر سطوعا ًعند زوايا الطور العالية".
يمثل هذا تهديداً كبيراً لعلم الفلك الأرضي، خصوصاً بالنسبة إلى المسوحات واسعة الزاوية للسماء ليلاً، مثل تلك التي ستُجرى في مرصد "فيرا سي روبين" في تشيلي، وفقاً للباحثة التي قالت إنه إذا كانت هناك مجموعة من هذه الأجسام الساطعة، فإن الخطر يكمن في احتمال فقدان البيانات على نطاق واسع، فضلاً عن الضرر الذي قد يلحق بأجهزة الرصد إذا لم يُخفَّف ذلك.
قد يمكن تجنب بعض هذه التداعيات السلبية إذا اعتمدت التلسكوبات استراتيجيات التتبع والتجنب، لكن هذه الأساليب قد تفشل بسبب صعوبة تتبع الأقمار الاصطناعية. قد يعني هذا أن التلسكوبات ستحتاج إلى الإغلاق بشكل دوري في أثناء تحرك القمر الاصطناعي فوق خط رؤيتها، ما قد يؤدي إلى تأخير عمليات الرصد أو تحريف مجموعات البيانات.
شددت نانداكومار على الحاجة إلى المزيد من عمليات الرصد لمعرفة المدى الكامل لتأثير هذه الأقمار الاصطناعية في علم الفلك، خصوصاً بالنسبة إلى الأطوال الموجية الأطول للضوء، مثل نطاقات الراديو؛ إذ إن الأقمار الاصطناعية مثل BW3 مجهزة بأجهزة إرسال راديوية قوية، لذا فهي لديها القدرة على إلحاق المزيد من الضرر بعلم الفلك المعتمد على الراديو.