لا يمكن تفسير نتائج انتخابات نقابة الصحافيين الأردنيين التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سياسياً أو فكرياً، لكن يمكن القول إنّ العلاقات الجهوية والشخصية المعتمدة على التواصل الفردي هي التي حسمتها، فكانت النتيجة مجلساً ذا توجهات مختلفة ومتقاطعة أحياناً.
لكن الصحافيين، بغض النظر عن تواجهاتهم الانتخابية، ينتظرون من المجلس الجديد الاهتمام بقضاياهم المعيشية ورفع سقف الحرية. الانتخابات شهدت تنافساً شديدًا خاصة على موقع النقيب، فيما استطاع راكان السعايدة أن يظفر بالموقع مجددًا بفارق 19 صوتاً عن طارق المومني، و54 صوتاً عن المرشحة فلحة بريزات. وأظهرت النتائج عدم فوز النساء برئاسة أو عضوية المجلس من بين 11 عضواً بمن فيهم النقيب ونائبه، لذا يمكن القول إنّ المجلس ذكوري بامتياز.
القوائم المهنية فازت بالحد الأدنى من المقاعد في الهيئة الإدارية للنقابة، فقد فازت قائمة النقيب الحالي بمقعد عضوية واحد فقط من 10 مقاعد في الهيئة العامة، وهو لخالد القضاة، فيما فازت قائمة المرشحة فلحة بريزات بمقعدين للعضوية إبراهيم قبلات وعدنان برية، وفشلت في الحصول على موقع النقيب أو نائبه، مما يكشف عن خلل بالتصويت الجماعي للكتل.
وأول من أمس الأربعاء، نشبت خلافات وانسحابات في جلسة مجلس نقابة الصحافيين، على إثر دعوة وجهت للعضوين في مجلس النقابة، ابراهيم قبيلات وعدنان برية، من اللجنة الإدارية في مجلس النواب برئاسة النائب ابراهيم الطراونة، لمتابعة قضية نقل أعضاء نقابة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى دائرة المكتبات الوطنية. مشاركة العضوين أغضبت النقيب راكان السعايدة، ونائب النقيب جمال اشتيوي، وعضو المجلس خالد القضاة، حتى انتهى الأمر بالنقيب إلى رفع الجلسة إلى الجلسة المقبلة.
ومن الواضح أنّ غياب الانسجام وأجواء الانتخابات التنافسية بدأت بالتسلل إلى اجتماعات المجلس فيما كان من الواجب وضع محددات وأسس وآليات لكيفية اتخاذ القرارات بعيداً عن ردات الفعل العصبية واللجوء إلى الحكمة في إدارة الجلسات، وتجاوز المواقف الفردية إلى المصلحة العامة. ولا يمكن إغفال نسبة المشاركة في الاقتراع التي وصلت إلى 83 في المائة من أعضاء الهيئة العامة المسجلين وهو الرقم الأكبر في تاريخ انتخابات النقابة، على الرغم من متطلبات التباعد الذي فرضته جائحة كورونا، الأمر الذي يعني أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها الصحافيون، إضافةً إلى القوانين المقيدة للحريات أصبحت تُشكل خطرًا على الأعضاء، وتُحاصرهم وتُرعبهم فكانت حافزًا للإقبال على المشاركة في التصويت.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ تقرير مؤشر الديمقراطية الصادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لمجموعة "إيكونمست" البريطانية، الأسبوع الماضي، كشف عن تراجع ترتيب الأردن في مؤشر الديمقراطية بـ4 درجات في الترتيب العالمي عن العام 2020. إذ حصل على 3.62 نقاط ضمن المؤشر العام من أصل 10، والتي صنّفت الأردن كنظام سلطوي، على الرغم من وجود برلمان وقضاء وأحزاب ونقابات وانتخابات. هذا فيما صنفت منظمات حقوقية أردنية حالة حقوق الإنسان في البلاد لعام 2020 بأنها على "الحافة"، وأوردت في تقريرها الذي صدر لأول مرة في يوليو/ تموز الماضي، أن جائحة كورونا تركت أثراً بالغاً على الحريات والحقوق العامة كافة، ومن بينها حرية التعبير والإعلام، حيث أسهم أمر الدفاع رقم (8) بفرض قيود إضافية على حرية التعبير والإعلام، إذ غلظ العقوبات على كل من يتهم بترويج الإشاعات، وتزايدت قرارات حظر النشر، ومنع تدفق المعلومات، مما شكل ضغطاً غير مسبوق على وسائل الإعلام.
"العربي الجديد" تواصل مع نائب نقيب الصحافيين الأردنيين جمال اشتيوي وأعضاء في مجلس النقابة حول أجندات المجلس المقبلة وتطلعاته. وفي هذا الإطار، قال اشتيوي الذي ترشح بشكل مستقل إنه "لا صحافة بلا حرية، والحرية للصحافي كالماء للسمك"، مضيفاً أنّه "لا بد من تطوير المحتوى داخل وسائل الإعلام الأردنية بطريقة مسؤولة تقدم الحقيقة وتحترم خصوصيات الناس". وأكد على أهمية العمل وفق الضوابط الأخلاقية للمهنة، مضيفاً أن "أي قيود تفرض على النشر مرفوضة"، مشدداً على أهمية تعزيز الحريات ورفض أي قوانين معطلة.
وأشار إلى ضرورة إعادة النظر بقانون الجرائم الإلكترونية وإلغائه، بسبب القيود التي يفرضها على الصحافيين ومختلف المواطنين، معتبراً أنّ "هناك مساحة من الحرية في البلاد يمكن العمل من خلالها من دون تشنجات أو اغتيال للشخصية، وأنّ من المهام الرئيسية للنقابة رفع سقف الحريات، وهو ملف أساسي، وسيتم إصدار واستحداث تقرير سنوي من النقابة حول الحريات الصحافية".
رفع سقف الحريات من المهام الرئيسية لنقابة الصحافيين الأردنيين
أما بالنسبة للأوضاع المعيشية للصحافيين، فقال إنّ "جائحة كورونا تركت آثاراً صعبة على وسائل الإعلام المحلية، خاصة الصحافة الورقية التي دخلت في أزمة مالية انعكست على الصحافيين"، معتبراً أنّ "من مهام النقابة إعادة وسائل الإعلام إلى مسارها الصحيح، بالتعاون مع مختلف الجهات لتأمين معيشة كريمة للإعلامي الأردني، ليعمل بشكل حر ومستقل". وأضاف أنّ "الجائحة عرضت الإعلام الأردني لأزمة كبيرة، على الصعيد المعيشي وعلى صعيد المحتوى"، لافتًا إلى أنه "جرى التواصل مع الحكومة الأردنية لوقف جميع برامج هيكلة مؤسسات الإعلام الرسمي التي تهدد أرزاق الصحافيين، إضافة إلى مطالبة الحكومة بالغاء الضريبة على مدخلات الإنتاج للإعلام الورقي، وتقديم دعم غير مباشر، وتسهيلات لتنهض بمهامها الإعلامية". وقال إن النقابة ستعمل بالتعاون مع الجامعات على توفير منح دراسية للعاملين أنفسهم ولأبنائهم، وكذلك المساعدة بتوفير السكن للصحافيين عبر اتفاقات مع جهات حكومية وخاصة.
وحول عمل المجلس في ظل تشكيلته الحالية المنوعة من القوائم والمستقلين، قال إنّ "الانتخابات ونتائجها أصبحت خلف المجلس، والكتل قبل الانتخابات كانت تتنافس على الوصول لتقديم الخدمة للأعضاء، والنجاح والفوز قرار الهيئة العامة"، مشيراً إلى أنّ "موضوع الانتخابات جرت مناقشته في المجلس، وجرى التوافق على أنّ المجلس هو مجلس الهيئة العامة وليس مجلس الكتل". وأضاف أنّ جميع الأعضاء راغبون بخدمة الهيئة العامة، معتبرًا أنّ "المجلس الحالي مجلس نوعي سيخدم الهيئة العامة ويطور المهنة، والاختلاف والاتفاق هو بهدف الخدمة العامة خاصة أنّ الأعباء الملقاة على كاهله كبيرة بسبب الوضع المالي للنقابة".
في حديثه لـ"العربي الجديد"، قال أمين سر نقابة الصحافيين عدنان برية، الفائز عن قائمة النقابة، إنه "لطالما اتخذت نقابة الصحافيين الأردنيين نهجاً تقليدياً في التعامل مع التحديات، استطاعت به تسكين الطارئ آنذاك، والحد من تفاقم التعقيدات المستجدة، بيد أنها عجزت – بنهجها – عن إجابة أسئلة وسيناريوهات المستقبل". وأضاف برية :"هذا النهج أفقد النقابة فاعليتها، خاصة في ظل التطورات المهنية المتسارعة والهائلة، وما رافقها من تنام للتحديات، الأمر الذي يفرض عملاً يستند إلى نهج مغاير، قوامه الرئيس قاعدة معرفية متينة، لواقع النقابة ومنتسبيها من جهة، وللمهنة وتطوراتها ومستقبلها من جهة مقابلة، ما من شأنه أن يشكل فارقاً نوعياً ونفعاً مستداماً". وتابع: "المقصود تحرير العقل النقابي من يقينياته المطلقة، وأفكاره المسبقة، والانتقال به إلى بُعد مختلف، قِوامه أن المستقبل يولد في اللحظة الراهنة، وهذا يتطلب إرادةً وانفتاحاً على الأفكار والمشاريع المبتكرة ذات الأثر الممتد، المستندة إلى بنية معرفية، أو قاعدة البيانات، التي تمكّن الفاعل النقابي من معالجة تحديات الحاضر والاستجابة لاشتراطات المستقبل".
عجزت النقابة عن الإجابة عن أسئلة وسيناريوهات المستقبل، ما أفقدها فاعليتها في ظلّ التطورات المهنية المتسارعة
على صعيد الملفات، رأى أنّه "ثمة ما هو داخل المؤسسة النقابية، ويرتبط بمأسسة العمل النقابي وإعادة بناء المنظومة القانونية والضوابط بما يتناسب مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية، وآخر مرتبط بأدوار نقابة الصحافيين المتوقعة، سواء لجهة تعظيم النفع العائد على النقابة والهيئة العامة، أو لجهة تمكين الصحافي ورعايته وحمايته على مستويات متعددة، مروراً بتنظيم المهنة ومزاولتها، وصولاً إلى البنية التشريعية الضامنة للحريات الإعلامية".
وحول ملف الحريات، قال إن "حماية الصحافيين والصحافيات في حريتهم ومعيشتهم ومهنتهم، والدفاع عن مصالحهم ومكتسباتهم أمام مختلف الجهات واجب، وفي مختلف الظروف، بما يشمل تأسيس حاضنة دفاعية ومرصد انتهاكات"، مشدداً على ضرورة عدم توقيف الصحافيين.
من جانبه، قال عضو المجلس المستقل أمجد السنيد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المجلس سيعمل على تعزيز الحرية المسؤولة التي تصون الحرية الصحافية وحقوق المواطن معاّ، وبشكل متوازن". وأكد على "أهمية تعديل التشريعات المتعلقة بالحريات خاصة قانون الجرائم الإلكترونية، وبالتحديد المادة 11 منه التي تنص على أنه (يعاقب كل من قام قصداً بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة مالية)، ومنهم الصحافيين". وشدد على أن "النقابة ستعمل وتبذل الجهود لمنع حبس وتوقيف الصحافيين، وذلك من خلال التواصل مع مختلف الأطراف المعنية كمجلس النواب والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني".
المقصود تحرير العقل النقابي من يقينياته المطلقة وأفكاره المسبقة، والانتقال به إلى بُعد مختلف، قِوامه أن المستقبل يولد في اللحظة الراهنة
واعتبر أنّ "مستوى الحريات في الأردن بالحد الأدنى مقبول، ونقابة الصحافيين ستسعى إلى رفع سقف الحرية، ومستوى الحريات، من خلال التشبيك والتواصل مع الجهات المعنية، من أجل الوصول إلى الأفضل، وسنصر على تحقيق الأفضل، فغياب الحريات يعني غياب النزاهة والشفافية". وشدد على ضرورة تعاون الجهات الرسمية مع الصحافيين وتوفير المعلومة الصحيحة، فالتعاون مع الإعلام هو الطريقة المهمة لمعالجة الشائعات، مشدداً على ضرورة "عدم ترك المواطن فريسة لمواقع التواصل الاجتماعي، بل دفع الصحافي إلى الأمام".
وقال: "الأولوية للمجلس ترتبط بالوضع المعيشي للصحافي، وتوفير الأمن الوظيفي، خاصة في الصحافة الورقية، وحديث الحكومة عن هيكلة الإعلام الرسمي مثل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء"، مشدداً على أنّ "النقابة ستقف سداً منيعاً أمام أي تهديد لمصادر رزق الصحافيين". وتابع: "سنسعى مع مختلف الجهات لتوفير فرص عمل للصحافيين العاطلين عن العمل، ومشاريع لتعزيز الوضع المعيشي للصحافيين".