أطلق منذ شهرين، أي بعد عملية طوفان الأقصى التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مغنيا الهيب هوب، ناس وستيلا، أغنية Harbu Darbu، التي تصدرت قوائم الأغاني في دولة الاحتلال الإسرائيلي. يعني اسم الأغنية بالعربيّة "الحرب والضرب"، وتُختتم بعبارة: "كل كلب بيجي يومه"، في إشارة إلى منفذي عملية طوفان الأقصى.
الأغنية مليئة بالشتم والبصاق وأصوات القذائف. وتشير إلى الفلسطينيين في قطاع غزة بأن عليهم الاستعداد لاستقبال "الطائرات الحربيّة"، وأنهم كـ"الفئران في الجحور"، ناهيك بقائمة بأسماء "الأعداء"، من إسماعيل هنيّة حتى دوا ليبا وبيلا حديد وميا خليفة. وبالطبع، تُذكر أسماء الأطفال المكتوبة على الصواريخ التي تُطلق على قطاع غزّة. كما لم تنشر الأغنية فقط في محطات الراديو ووسائل التواصل الاجتماعي، بل في الأعراس والمناسبات الاحتفاليّة.
لا جديد في محتوى الأغنية أو مختلف عن أخرى سابقة لـ"ستاتيك وبن إيل" التي صدرت إبان عدوان 2018 على غزة، لكن صحيفة هآرتس وصفت "الضرب والحرب" في معرض انتقاد الأغنية بأنها "سلاح لتدمير العالم" من شدة أثرها وشهرتها، ويصل الأمر إلى وصف البوب الإسرائيلي بأنه لم يعد مهرباً، بل ارتدى "الزيّ العسكري" وحان وقت المواجهة.
اللافت في الأغنية أنها منفصلة عن الشارع، ونقصد هنا أنها لا تمس الرهائن لدى "حماس" ولا عائلاتهم، أولئك الذين يطالبون بوقف إطلاق النار، وليس الاستمرار في الحرب، إلى حد اقتحام بعض الإسرائيليين الكنيست، وهتاف آخرين في الشارع "ارحل نتنياهو (بنيامين)"، ما يعني أن الأغنية تخاطب الجموع، الجماهير التي تبحث عن الانتقام، وأولئك ذاتهم الذين يهرعون هرباً إلى الملاجئ حين تدوي صفارت الإنذار في المدن التي احتلتها إسرائيل في عام 1948. نعم، الأغنية تشحذ همم البعض، لكنها في ذات الوقت، تحمل رعباً من نوع ما؛ فالرقص والاحتفال قد يتحولان إلى اشتباك، إذ إن "الحرب والضرب" ليسا محصورين بجيش الاحتلال، وإنّما يشملان من يُسمَّون المدنيين الإسرائيليين أيضاً.
صيغة الغضب والشتم ليست جديدة على هذا النوع من الأغاني، ليس فقط في دولة الاحتلال، بل في كل أنحاء العالم. لكن، وهنا المفارقة، الصيغة الاحتفالية بالقتل والرقص والانتقام والتلويح بالمجزرة، لا تختلف عن الخطاب الرسمي العام، الذي ينطقه الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير وغيره، بل يمكن القول إن أجواء الأغنية لا تختلف عن المؤتمر الذي عُقد في القدس تحت عنوان "انتصار إسرائيل"، وقال فيه وزير السياحة بوضوح إن "هذه الفرصة الأخيرة لتوسيع أرض إسرائيل".
لا يهم هنا النوع الفنّي أو الموسيقي الذي يُوظّف من أجل شحذ همم "الجيش على الجبهة"، فـ"الكل ينضم للاحتياط". ما يهم هو أننا أمام قرار محكمة العدل الدولية الذي يفرض على دولة الاحتلال الإسرائيلي المعاقبة، والحد من أي خطاب يحرض على الإبادة. لكن هذا "عمل فنّي"، ولا يمكن اتهامه بالجديّة؛ فهدف الأغنية، بحسب مؤلفيها، هو "استبدال الحزن بالغضب".
لكن لنفكر في الغضب الذي من الواضح أنه ليس موجهاً ضد حركة حماس فقط والشعب الفلسطيني، بل ضد نتنياهو وقادة الجيش وحكومة اليمين المتطرف التي إلى الآن لم تعلن "انتصاراً"، ولم تسعَ إلى إطلاق سراح الرهائن التي أشارت "حماس" في بيان لها إلى مقتل نحو الـ50 منهم. نحن هنا أمام تقنية تقليديّة في البروباغاندا يمكن القول إنّ الهدف منها "غض النظر عن مشاكل الداخل والتوجه نحو العدو الخارجي"، وشحن كل الغضب تجاهه. وهذا بالضبط ما لم يعد ينجح. نعم الأغنية أثارت جدلاً عالمياً، لكن المتظاهرين والمحتجين يقفون على باب منزل نتنياهو، مطالبين إياه بإنهاء العدوان.
لا يمكن إغفال أيضاً أن "الجنود" أنفسهم في دولة الاحتلال الإسرائيلي يموتون، هم الجنود الذين يشعر ذووهم بالسخط، بينما ابن نتنياهو وبن غفير وغيرهم بعيدون عن "ساحات المعارك". وهنا مفارقة أخرى، هي ليست أغنية "انتصار"، بل حث على العدوان وتصعيده.