استمع إلى الملخص
- تأثير ميريپ على الدراسات: ساهم "ميريپ" في تغيير الدراسات الشرق أوسطية بالتركيز على الاقتصاد السياسي والتحليل الطبقي، وقدم نقدًا للسياسات الأمريكية ومنظمة التحرير الفلسطينية، واستمر ستورك في نشر "تقرير الشرق الأوسط" حتى 1995.
- التزام بحقوق الإنسان: بعد ميريپ، شغل ستورك منصب نائب مدير هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط، وحرر تقارير عن حقوق الإنسان، مؤثرًا في الباحثين والناشطين الشباب.
كان جو ستورك، الذي توفي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن عمر يناهز 81 عامًا، يحب الموسيقى الأميركية التقليدية ولا يحب السياسة الخارجية الأميركية. في السبعينيات، كان من الممكن سماعه وهو يغني ألحانًا شعبية مثل "يونيون ستيشن"، وأيضًا وهو يردد شعارات في المسيرات الداعمة لفلسطين. لقد كان ذلك في وقت بالكاد بدأ فيه اليسار الأميركي يهتم بمصير الفلسطينيين، وبصفة أوسع، بالشرق الأوسط.
جو ستورك وفهم النضال الفلسطيني
مثل الكثير من الأميركيين من جيله، بدأ شغف ستورك بالمنطقة بقضاء فترة في فيلق السلام، في تركيا، في أوائل الستينيات (1960). وفي عام 1970، بعد زيارة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، حث ستورك اليسار على اعتبار أن الكفاح الفلسطيني يندرج ضمن نضال أوسع ضد الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة .
في أكتوبر من نفس العام، فكر هو ومعارضون آخرون مناهضون لتدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام، في كيفية توسيع نقدهم للسياسة الخارجية الأميركية ليشمل مناطق أخرى من العالم. وتركز اهتمامهم بشكل خاص على الشرق الأوسط، حيث كانت واشنطن تدعم شاه إيران، كما ساندت العاهل الأردني، الملك حسين، ضد المناضلين الفلسطينيين خلال "أيلول الأسود" عام 1970. ومن هذه المبادرة ولدت جوهرة تاج إنجازات جو العديدة: مشروع أبحاث ومعلومات الشرق الأوسط (ميريپ- Merip) ومنشوره الرئيسي، تقرير الشرق الأوسط (Middle East Report). بسرعة تطور ميريپ Merip الذي أنشئ بوصفه مجموعة تعمل بموارد قليلة، ليصبح منصة ملتزمة للأكاديميين التقدميين وغيرهم من الخبراء، بمن فيهم أولئك القادمون من الشرق الأوسط. وكان يصدر مجلة كل شهرين. وتم تخصيص كل عدد لموضوع معين: فلسطين/إسرائيل، الدول النفطية، وضع المرأة، الأكراد، الحياة الجنسية، الإرث الاستعماري، إلخ. كانت المجلة تصدر حكما نقديا شديدا على السياسات الأميركية، لكن المساهمين فيها انتقدوا أيضًا منظمة التحرير الفلسطينية وغياب الديمقراطية في المنطقة.
بديل للاستشراق
كتب المؤرخ جويل بينين، وهو أحد الأعضاء القدامى في هيئة تحريرها، أن مشروع ميريب أثر في الدراسات عن الشرق الأوسط "من خلال التركيز على الاقتصاد السياسي أو التحليل الطبقي، أي من خلال دراسة مصفوفة الدول والأسواق والطبقات الاجتماعية، وديناميكيات رأس المال والتطور التاريخي للرأسمالية": "ساهم مشروع ميريب في تأسيس استشرافات في الاقتصاد السياسي في دراسات باللغة الإنكليزية عن الشرق الأوسط بما هي بدائل ناجعة للاستشراق ونظرية التحديث في خدمة الإمبراطورية، والتي كانت النموذج العلمي الرئيسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى منتصف السبعينيات. ومما يجعل من هذا النجاح أمرا لافتا أن مشروع ميريب اختار عمداً ألا يتحول إلى مجلة أكاديمية تقليدية".
صرح كريس تونسينغ، رئيس التحرير الذي خلف ستورك: "جميع الانتقادات التي كان مشروع ميريب يحمل لواءها أصبحت الآن شائعة في اليسار التقدمي الأميركي".
قام ستورك، الذي عاش في واشنطن، بنشر "تقرير الشرق الأوسط" منذ إنشائه حتى عام 1995، وساهم بعشرات المقالات التي تغطي مجموعة واسعة من المواضيع. ومن بين الأعداد التي كان ستورك فخوراً بها بشكل خاص، كان ذلك المخصص لحقوق الإنسان في المنطقة، والذي نُشر عام 1987، قبل أن يصبح الموضوع رائجاً. في المقالة التمهيدية، لاحظ جو ومؤلفه المشارك، جيمس بول، ما يلي: "لقد أصبحت حقوق الإنسان اليوم قضية تتجاوز الحدود السياسية التقليدية. إن اليسار، الذي كان يكتفي ذات يوم برفض الحقوق الفردية باعتبارها ترفاً برجوازياً، لم يعد يغيب قدراته النقدية عندما يتباهى نظام قمعي بكونه "ثورياً". وفي الدوائر الليبرالية، تؤثر مسألة الحقوق بشكل متزايد على التفكير السياسي. وحتى في اليمين، هناك عدد أقل من الناس على استعداد للدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان، حتى لو كانت مغطاة بمبررات مناهضة للشيوعية".
لذلك كان من الطبيعي أن يتقلد ستورك في 1996، بعد عام من تركه منصبه رئيس تحرير لمجلة ميريب، منصب نائب مدير هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد تبنى مبدأ الحياد الذي يجب أن تحافظ عليه منظمة حقوق الإنسان حتى تكون ذات مصداقية. بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سافر إلى إسرائيل لإجراء مقابلات مع الضحايا المدنيين للتفجيرات الانتحارية وكتب تقريرًا يدين هذه الهجمات التي ارتكبتها جماعات فلسطينية مسلحة.
حالة البحرين
من المؤكد أن اهتمامات ستورك امتدت إلى جميع أنحاء المنطقة، لكن هناك بلد، البحرين، حيث كان لديه العديد من الأصدقاء، كان قريبا بشكل خاص إلى قلبه. وقد حرر أول تقرير مفصل للمنظمة عن هذا البلد في عام 1997 وكان عضوًا في المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان.
وفي حفل تكريم لما تبين أنها محاولة فاشلة من ستورك للتقاعد من هيومن رايتس ووتش في 2017، قال إن أصعب شيء في ذهابه هو القيام بذلك في وقت يظل العديد من أصدقائه، ومنهم نبيل رجب وعبد الهادي الخواجة في البحرين وأحمد منصور في الإمارات العربية المتحدة، خلف القضبان. انتهى الأمر بستورك بمواصلة العمل بدوام جزئي في هيومن رايتس ووتش لمدة خمس سنوات أخرى، كانت فترة كافية للإفراج عن رجب، ولكن لم يتم إطلاق سراح الخواجة ولا منصور.
كان الباحثون الشباب ينظرون إلى جو ستورك على أنه معلم ومحرر صارم ورجل له شبكة واسعة من العلاقات. وقد أذهل أولئك الذين سافروا معه إلى المنطقة بعدد المثقفين والناشطين الذين رحبوا به بحرارة في كل بلد تقريباً. قال نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان: "أنا أبكي معلمًا وصديقًا رائعًا"، مضيفا: "كان جو أيضًا صديقًا مقربًا لعائلتي، وخلال السنوات السبع الطويلة التي قضيتها في السجن، ظل على اتصال بعائلتي، وقدم لي التَأْسِية والدعم. إن حضوره، حتى من بعيد، أعطاني الأمل والقوة في هذه الأوقات الصعبة".
شعر ستورك بحزن شديد لفقدان زوجته، بريسيلا نوريس، ممرضة في مجال الرعاية التلطيفية التي عاش معها لمدة 36 عامًا، والتي كانت تشاركه شغفه بالشرق الأوسط. توفيت بمرض السرطان في مارس 2024. وفي التجمع اشادة بحياتها في 17 مايو، غنى جو أغنيتها المفضلة "اللورد فرانكلين"، وهي أغنية شعبية قديمة من القرن التاسع عشر. ترك ستورك في الحزن بناته الثلاث وأحفاده الأربعة، وبالطبع ميريب/تقرير الشرق الاوسط MERIP /Middle East Report، الذي لا يزال يعمل، وإن كان عبر الإنترنت فقط، بعد أكثر من نصف قرن من مشاركته في تأسيسه.
التقيت بجو وزوجته منذ ما يقرب من أربعين عامًا. مثل العديد من الصحافيين، تغذيت من عمله ومن ميريب/تقرير الشرق الأوسط، سواء من خلال تحليل طبيعة نظام الشاه الإيراني في السبعينيات، أو من خلال نصوصه عن اقتصاد المنطقة. وقد ساهم بعدة مقالات في أوريان 21 . فلتجد عائلته هنا تعبيرًا عن إعجابنا بالتزاماته وشجاعته.
يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar