احتفى معرض "إنتاج" في العاصمة القطرية الدوحة بـ"رحلة السينما العربية بكل ما فيها من ثراء وإلهام وطفرات"، حيث عرض نماذج لملصقات الأفلام العربية وصورا لرواد الفن السابع العرب فضلا عن مقتنيات ومعروضات تخص تاريخ السينما العربية ودخول السينما للبلاد العربية مع بداية القرن العشرين.
يتابع المعرض رحلة السينما في العالم العربي مع الصناع الرواد، كالإخوة الفلسطينيين لاما، إبراهيم وبدر، اللذين وصلا عام 1926 إلى الإسكندرية من مهجرهما في أميركا الجنوبية في طريقهما إلى حيفا في فلسطين ومعهما معدات وأجهزة سينمائية كانت الأولى من نوعها في العالم العربي، ولكنهما قررا الإقامة في الإسكندرية بسبب مرض إبراهيم فأنتجا أول فيلم عربي بعنوان "قبلة في الصحراء" عام 1927، حيث أخرجه إبراهيم ومثل بدر دور البطولة فيه، ثم أسسا شركة كوندور واستديو لاما في القاهرة، ووصلت أعمالهما لـ62 فيلماً حين احترق استديو لاما ومات بدر قبلها بالذبحة القلبية ثم انتحر المخرج إبراهيم.
ومن الرواد الجزائري طاهر حناش (1898 - 1972)، الذي كان أول جزائري يعمل في السينما كمدير تصوير ومخرج وممثل ومنتج، حيث اشترك في العديد من الأفلام الفرنسية والأوروبية، ومنها فيلم أتلاتنس المنتج عام 1921 للمخرج البلجيكي جاك فيدر، وأفلام تاجر الرمال والصليب الجنوبي والطاحونة الحمراء وغيرها للمخرج أندريه هوغون.
وتكمن ريادة حناش بإنتاج وإخراج أول فيلم جزائري بعنوان "على أبواب الصحراء" عام 1938، الذي ينتقد فيه الوجود الفرنسي في الجزائر، ولكن نسخة الفيلم الأساسية احترقت في باريس نتيجة القصف النازي عام 1942 قبل توزيعها على صالات السينما الفرنسية، ومن حسن الحظ أنه اكتشف لاحقا وجود نسخة من الفيلم في سينماتيك بانتاز السويسرية. كما أنتج حناش فيلما ثانيا بعنوان "غطاسين الصحراء"، الذي منعته السلطات الفرنسية.
ومن الرواد توجو مزراحي (1901 - 1986)، وهو مخرج يهودي مصري من أصل إيطالي وكان يقدم نفسه باسم أحمد قبل أن يعلن يهوديته، ولكنه رفض الهجرة لإسرائيل منتقلا إلى إيطاليا، وساهم بإنتاج حوالي ثلاثين فيلما مصريا، منها سلسلة "شالوم"، حيث كان اليهودي المصري منسجما ضمن بيئته العربية الإسلامية. ومن الأفلام التي أنتجها فيلم "سلامة" لأم كلثوم، ويعزى له الفضل باكتشاف العديد من نجوم السينما المصرية كإسماعيل ياسين وليلى مراد.
من تونس يبرز اسم الرائد ألبير شمامة شيكلي (1872 - 1933)، الذي نظم أول معرض تونسي للتصوير عام 1896 عارضا فيه فيلما سينمائيا بعد سنة فقط من عرض الأخوين لوميير اكتشافهما فن السينما في باريس.
صور شمامة، الحائز على الجائزة البرونزية للتصوير في معرض باريس للتصوير عام 1900، فيلما وثائقيا عن مدينة تونس بمنطاد عام 1908، ولاحقا أخرج فيلما روائيا قصيرا بعنوان "زُهْرَة"، وفيلما طويلا بعنوان "عين الغزال"، والذي سماه بالفرنسية "قرطاج"، وقد مثلت ابنته هايدي دوري البطولة فيهما. كان شمامة مغامرا جريئا وقد صور أفلاما حربية خلال تغطيته المعارك مع الجيش الفرنسي وإليه يعود الفضل بتوثيق معركة فردان، وهي أطول معارك الحرب العالمية الثانية، والتي جرت على الجبهة الغربية الفرنسية. ومن حبه للمغامرة أوصى بأن يكتب على قبره "مثابر في الفضول، متهور في الشجاعة، مستسلم في المحن، يتخلى عن الأصدقاء".
فلسطين
يرصد المعرض إنتاج أكثر من ألف ومائتي فيلم تتعلق بفلسطين وقضيتها، في حين تعود أول الأفلام المصورة في فلسطين لإرسال الأخوين لوميير مخترعي السينما عدة مصورين للتصوير في فلسطين، فتم تصوير أفلام عن يافا وبيت لحم عام 1897. كما يتيح المعرض مشاهدة بعض ملصقات الأفلام التي تروي صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني، كفيلم "الطريق إلى القدس" للمخرج عبد الوهاب الهندي، وفيلم "كفر قاسم" لبرهان علوية، وفيلم "كلنا فدائيون" لكاري كرابتيان، وفيلم "الفلسطيني الثائر" لرضا ميسر، وغيرها من الأفلام الأحدث.
ومن اللافت عرض مقتنيات تخص سينما القدس كتذاكر الدخول وأخرى تخص سينما الحمراء في يافا، ومنها رسالة يخاطب فيها الفنان محمد عبد الوهاب، مدير سينما الحمراء، بشأن فيلمه "ممنوع الحب"، الذي تعرضه السينما وكذلك برقية من الشاعر خليل مطران، مدير الفرقة القومية المسرحية في مصر، لمدير سينما الحمراء في يافا موسى الحسيني.
ومن أهم ما تراه في المعرض تصاريح من اللجنة المركزية لمراقبة الصور المتحركة في حكومة فلسطين بعرض الأفلام، ومنها تصريح لعرض فيلم "صلاح الدين" للأخوين لاما عام 1942. كما يروي المعرض قصة اختفاء أرشيف مؤسسة الفيلم الفلسطيني الذي يطلق عليه ص.ب 8984 إثر الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وقد عثر بالصدفة على نسخة من فيلم "تل الزعتر" عام 2016، أرسلت لمؤسسة إيطالية من مدير المؤسسة حينها المخرج الراحل مصطفى ابو علي.
بدايات السينما العربية
يحتفي المعرض بتاريخ السينما العربية، ولا سيما لحظة البدايات في كل بلد، فيذكر بدايات السينما المصرية بإنتاج الأفلام الصامتة عام 1896، حيث أنتج أول فيلم روائي (ليلى) عام 1927، في حين كانت الفترة بين الأربعينيات والستينيات من القرن الماضي أزهى مراحل السينما المصرية. طبعا هناك جدل حول أيهما أسبق فيلم "ليلى" أو فيلم "قبلة في الصحراء".
في السودان تم أيضا إنتاج أفلام صامتة كتوثيق دخول القوات البريطانية للبلد عام 1897، وشهدت الخرطوم افتتاح أول صالة سينما فيه في أواخر عشرينيات القرن العشرين.
ومما يلفت الانتباه أن التصوير السينمائي في البلدان العربية ارتبط بداية بتوثيق بعض اللحظات التاريخية، مثل زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى المعهد العلمي في جامع المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية أو لتوثيق دخول قوات الاستعمار إلى المدن العربية أو زيارة بعض مصوري السينما للبلدان العربية وفي المقدمة تأتي زيارة الأخوين لوميير مخترعي السينما، فقد زار الأخوان بين العامين 1895 و1897 الجزائر ثم تونس ومصر، ووثقا بعدستهما الحياة اليومية لأسواق وحارات مدينتي تونس العاصمة والجزائر العاصمة والمدن الجزائرية الأخرى، ومنها ولاية بسكرة وتلمسان وسيدي بلعباس. في مصر صورا أفلاما للأهرامات والنيل في القاهرة وساحات مدينة الإسكندرية.
كما ترتبط بدايات السينما في المغرب ولبنان وفلسطين بالأخوين لوميير، حيث أرسلا مصورين لهذه البلدان وأنتجا عدة أفلام، منها فيلم "الماعز المغربي"، الذي صور في المغرب.
في سورية، بدأت السينما مع أول عرض سينمائي في مقهى في حلب عام 1908 وافتتاح أول صالة سينما في دمشق عام 1916 برعاية من الوالي العثماني جمال باشا، والذي يعرف ببلادنا بجمال باشا السفاح. من سورية يعرض السيناريو الأصلي لفيلم "الرسالة" للمخرج مصطفى العقاد وسيناريو فيلم الليل للمخرج محمد ملص مع مذكراته بعنوان "من مفكرة فيلم الليل" عام 1992.
يحتفي المعرض بإنتاجات مؤسسة الدوحة للأفلام ودعمها للأفلام القصيرة القطرية والأفلام العربية والعالمية الروائية والتي وصل عدد منها للترشح للأوسكار، كما يتيح فرصة التعرف إلى تاريخ شركة قطر للسينما وتوزيع الأفلام، التي انطلقت عام 1970، وتم حينها افتتاح أول صالتي عرض في الدوحة، هما سينما الخليج وسينما الدوحة، ولكن التطور الأبرز كان خلال السنوات الثلاثين الأخيرة مع انطلاقة مؤسسة الدوحة للأفلام عام 2010.
فيلم "كيلوباترا"
يخصص المعرض جناحا خاصا لعرض بعض ديكورات وأزياء وإكسسورات فيلم "كيلوباترا" للمخرج جوزيف مانكيفيتس، وبطولة إليزابيت تايلور، ريتشارد برتون، ريكس هاريسون، مارتن لانداو. وقد حاز الفيلم المنتج عام 1963 والذي صورت أجزاء منه في مصر على عدة أوسكارات.
من ضمن المعروضات الكرسي الملكي الذي استخدمته الممثلة اليزابيت تايلور التي جسدت دور كيلوباترا أثناء وصول مارك انطوني، جسده ريتشارد برتون، لمصر وكذلك نشاهد الاكسسوارات من حلي ومجوهرات كالتاج الأحمر وغطاء الرأس الملكي الذي ارتدتهما كيلوباترا في الفيلم وكذلك نعاين التحف وقصات الشعر والعيون المكحلة والازياء الملونة والتي كان لها تأثير في الموضة العالمية وقتها.
صندوق العجائب
يقدم المعرض فرصة للاطلاع على تطور الكاميرا السينمائية وأجهزة العرض والأشرطة وكل ما يرتبط بهذا الفن تقنياً، حيث نشاهد نماذج من كاميرات وأجهزة تصوير من بلدان مختلفة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا. يمكن معاينة آلة تصوير فرنسية ظهرت عام ١٨٤٠ وتستطيع إظهار الصورة بأبعاد ثلاثة، وجهاز تصوير ألماني (ارتيمان) ظهر عام 1917 مصنوع من الخشب والزجاج والمعدن والقماش واشتهر جدا ولا سيما بتصوير الأفلام الوثائقية القصيرة الصامتة في حين ظهر جهاز ألماني آخر عام 1920 مزود بنظام صوتي مجسم.
يُذكر أن أول فيلم متحرك أنتج في إنكلترا عام 1873 حيث قام إدوارد مايبريدج بتصوير فرس باستخدام 24 كاميرا مجسمة. أما الفيلم الثاني فكان مشهدا في حديقة في إنكلترا. الكاميرا السينمائية كانت من تصميم ويليام كيندي ولاوري ديكسون اللذين كانا يعملان بتوجيهات من توماس إديسون، لكن السينما كما نعرفها اليوم مع فارق التطور ظهرت على يد الأخوين لويس وأوغست لوميير اللذين اخترعا نظام سينماتوغراف، وهو عبارة عن جهاز متكامل عرضا عليه أمام الجمهور لأول مرة عشرة أفلام مدة كل منها حوالي 45 ثانية في باريس عام 1895.