"جمالية التلقّي في السينما الوثائقية" لعبد الكريم قادري

26 يونيو 2024
ليني رفنشتال: خلق استعراض للترويج الدعائي للنازية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عبد الكريم قادري يستكشف في "جمالية التلقّي في السينما الوثائقية" العلاقة بين الأفلام الوثائقية وجمهورها، متجاوزًا الأساليب التقليدية لفهم هذه الديناميكية.
- يناقش قادري أمثلة مثل "انتصار الإرادة" لرفنشتال و"نانوك من الشمال" لفلاهرتي لاستكشاف كيف تؤثر الأفلام الوثائقية على المتلقين وتعكس أيديولوجيات معينة.
- يُبرز الكتاب أهمية السينما الوثائقية في تحقيق فن جماهيري يلبي احتياجات الجمهور الفردية والجماعية، مؤكدًا على دور المخرجين كـ"الآباء المؤسّسون" لهذا الفن.

كتاب جديد للزميل الجزائري عبد الكريم قادري يصدر حديثاً: "جمالية التلقّي في السينما الوثائقية" (منشورات جسور الثقافة للنشر والتوزيع، السلسلة المعرفية ـ مهرجان أفلام السعودية، الطبعة الأولى، 2024). فيه سبعة أبواب مختلفة، لبعضها أقسام عدّة أيضاً. في الباب الأول مبحثٌ بعنوان "في البدء كان التسجيل والتوثيق"، هنا فقرات منه لتبيان ملامح أساسية يبني قادري عليها قراءته النقدية للعلاقة القائمة بين سينما غير جماهيرية (الوثائقية) ومشاهدين ومشاهدات محتملين في مدن مختلفة.

"السينما الوثائقية وسلطة المتلقّي" يفتتح المبحث هذا، إذْ يكتب قادري التالي: "إذا أردنا تفكيك الفيلم الوثائقي إلى أجزاء، وحلّ شيفرته التي تربطه بالجمهور، لفهم المُعادلة الكلّية التي تجمع الاثنين بوصفهما مُرسا ومستقْبِلا، لا بُدّ انْ نتجاوز الآليات القديمة، والبحوث الجاهزة، التي تقود ككلّ مرة إلى تراكمات الماضي الغابر، وما يُخزّنه من حقبٍ زمكانية منتهية، لها مبرّراتها ومعطياتها المختلفة، في ظلّ الظروف التي أوجدتها وتكوّنت فيها، والمرتبطة أساساً بأيديولوجيات مدروسة بعناية فائقة، لنعيد سؤالاً طُرح آلاف المرّات، وعن طريق مئات الألسن، بصيغ متعدّدة ومختلفة، وهو: هل قامت المخرجة الألمانية ليني رفنشتال بخلق الاستعراض العسكري بمساعدة الحزب الاشتراكي القومي (النازي) في فيلمها "انتصار الإرادة" (1935) للقيام بدعاية عسكرية قوية؟".

يُضيف الزميل قادري أنّ هذا الاستعراض العسكري نفسه "مبرمج بشكل مسبق، تحقيقاً للسياسة الدعائية" للحزب النازي، ممثلاً بغوبلز "الذي سعى إلى تحقيق جملة من البرامج والإصلاحات في السينما، حيث "أكّد مراراً أنّ الفيلم يجب أنْ يمارس تأثيراً محسوساً "كعلاقة السبب والنتيجة"، وكيف يجب أنْ يؤثّر على القلوب والعقول، وأن هدف السينما يجب أنْ يكون تحقيق فن جماهيري، فن يخدم في وقت واحد أهداف الدولة، ويلبّي الاحتياجات الشخصية الفردية" (إريك فرينتشلر، "ألمانيا النازية وما بعدها"، في: جيوفري نوويل سميث (محرّر)، "موسوعة تاريخ السينما في العالم، السينما الناطقة (1930 ـ 1960)"، المجلد الثاني، ترجمة أحمد يوسف، مراجعة هاشم النحاس، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2010، صفحة 508).

في مقابل هذا، يختار عبد الكريم قادري مخرجاً وثائقياً آخر، الأميركي روبرت فلاهرتي، وفيلمه "نانوك من الشمال" (1922)، لطرح السؤال الثاني عما إذا كانت عائلة نانوك، "التي تعيش في الإسكيمو، تمّ تدريبها بشكل مسبق لتظهر بذلك الشكل في الفيلم"، ثم ينقل عنه قول له غير مباشر عن صناعة الفيلم الوثائقي بشكل عام، "كأنّه يدافع عن فيلمه"، إذْ يرى أنّ المرء يضطرّ غالباً "لتشويه الشيء حتى يحصل على روحه الحقيقية" (لوي دي جانتي، "فهم السينما ـ الفيلم التسجيلي"، ترجمة جعفر علي، "عيون المقالات"، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1990، صفحة 24).

بالنسبة إلى مؤلِّف الكتاب، فإنّ طرح السؤالين يُفسّر علاقة الفيلم الوثائقي بالجمهور، وشرح احتياجاته: "هذا الأخير يبحث عن عمل يُحاكي ما في قلبه من مآسي وانتكاسات وطموحات، وحتّى أحلامه وكوابيسه"، لتكون النتيجة تحقيقاً لمقولة "هذا ما يُريده الجمهور". ذلك أنّه لا يُمكن التحدّث عن صناعة الفيلم الوثائقي، وإبراز علاقته بالجمهور "ونتجاهل ليني رفنشتال أو فلاهرتي أو غيرهما"، فهؤلاء هم "الآباء المؤسّسون".

كتابٌ يُقرأ، ففي مضمونه تحليلٌ يحتاج إلى نقاشٍ نقدي.

المساهمون