جعفر عبد الحميد: النقد السينمائي عامل يكوّن أدواتي

31 يناير 2021
إخراج الفيلم يُركّز على أداء جماعي للممثلين (العربي الجديد)
+ الخط -

غادر المخرج العراقي جعفر عبد الحميد، مع عائلته، بغداد إلى لندن، عندما كان صبياً. عمل لفترة قصيرة مساعدَ منتج، في القسم العربي في "هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)". نال ماجيستير في "نظريات السينما والتلفزة"، من "جامعة وستمنستر" (لندن)، ثم الدكتوراه. أخرج أفلاماً وثائقية وقصيرة عدّة: "اختبار سياقة" (1991)، و"ساعتا تأخير" (2001)، و"عينان مفتوحتان على اتساعهما" (2005). له روائي طويل بعنوان "مسيو كافيه". في بداياته، كتب نقدأً سينمائياً، نشره في ملحق السينما في جريدة "الحياة" (لندن) ومجلة "سينما" (باريس).

بمناسبة روائيه الطويل "كال وكمبريدج"، المُصوَّر في لندن، في خريف 2019 (بات اليوم في مرحلة ما بعد التصوير)، التقت "العربي الجديد" عبد الحميد في هذا الحوار:

* بدأت ناقداً سينمائياً. هل كان هذا بداية مشوارك مع السينما؟
- قبل ممارستي النقد، ومنذ لحظة دخولي، للمرّة الأولى، قاعة سينما يُعرض على شاشتها فيلمٌ أميركي قديم، وأنا لا أزال أعيش البهجة نفسها من الالتحاق بمجموعة غرباء، على الصعيد الشخصي، لحضور عمل سينمائي يجمعنا في اتفاق ضمني مع صانعي الفيلم، لنسيان المكان والشاشة على الحائط وخدعة العين، التي توفّر حركة إطارات 24، لندخل معاً عالم الشريط ثلاثيّ الأبعاد. صبياً، كانت تذاكر السينما رخيصة نسبياً، لمن هم في عمري، يرتادون الصالات المنتشرة في أحياء المدينة، والموجودة بما يعرف بـ"وست إند"، أي منطقة المسارح ودور العرض في "بيكاديلي" و"ليستر سكوير"، وعلى امتداد "شافتسبري أفينيو"، والمناطق المحاذية لها. هذا ساعدني على حضور عددٍ كبيرٍ من عروض المساء الباكر، بعد انتهاء المدرسة. كتابة النقد السينمائي أتت عندما كنتُ أحضّر الماجيستير في نظريات السينما والتلفزة في "جامعة وستمنستر"، في لندن. يومها، بدأ الناقد السينمائي إبراهيم العريس نشر مقالاتٍ نقدية لي في ملحق السينما في جريدة "الحياة". بعدها، نُشرت لي مقالات في مجلة "سينما". مؤكّد أنّ ممارسة النقد السينمائي، مهنياً، بموازاة الدراسة الأكاديمية لنظريات السينما، كانت ولا تزال عاملاً أساسياً في تكوين أدواتي كمخرج، والأدوات تلك استمرت في التطوّر، إذ إنّي حتماً لا أزال أحتاج إلى مزيدٍ من الوقت والخبرة لأدواتي كمخرج سينمائي.

* ما موضوع فيلمك الجديد؟ وما فكرته؟ ما الأسلوب الذي اتّبعته؟
ـ أحداث الفيلم تقع وسط الجالية العربية في لندن. يتناول صعوبة تأقلم أبناء وبنات مهاجرين عرب، مع توقّعات وآمال الآباء والأمهات لهم على صعيد الدراسة والمهن المفضّلة، وطبعاً الزواج. أحاول، من خلاله، ولوج تلك المنطقة الحميمية، التي تخلق ضغطاً على البريطاني المولود لأبوين مهاجرين من العالم العربي، وشعور الآباء والأمهات، الذين قدموا إلى المملكة المتحدة كمهاجرين، وهم يكتشفون الجوانب الثقافية الخاصة عند أبنائهم وبناتهم المولودين فيها. "كال وكمبريدج" يأتي في فترة مهمّة، يزداد فيها بروز سرديات بديلة داخل المجتمعات الأوروبية الغربية وأميركا الشمالية، تحديداً، تتناول التجارب الإنسانية لأقليات عرقية وثقافية، عانت ولا تزال تعاني قلّة فرص المشاركة بشكل كامل ومتساوٍ في الحوار الموجود في المنتج الثقافي بأشكاله كافة، بما في ذلك الإنتاج السينمائي والتلفزيوني. أسلوبي في إخراج الفيلم يُركّز على أداء جماعي للممثلين الذين يقدمون شخصيات عدّة للقصّة، وهم ينقسمون إلى جيلين: الآباء والأمهات، والبنات والأبناء. قد يكون هناك صدى لمدرسة روبرت ألتمان في تعامله مع "البطولة الجماعية" لقصصه.

يتناول "كال وكمبريدج" صعوبات تأقلم أبناء المهاجرين في لندن

* ما الأسباب التي تمنعك من صناعة فيلم روائي طويل، عدا المشاكل الإنتاجية؟
ـ بحثتُ في تحقيق اتفاق مع أكثر من شركة إنتاج أوروبية، لمساندة تصوير النصوص التي كتبتها، وتقع أحداثها في العراق. لكنّ عدد المشاريع التي يمكن تمويلها أوروبياً، وتُصوَّر في الشرق الأوسط، قليلٌ جداً، قياساً بأفلامٍ يُمكن إنجازها في أوروبا نفسها. بالتالي، إنّ الفرصة محدودة للحصول على جزءٍ من هذا التمويل، القليل أصلاً.

* في فيلميك "مسيو كافيه" و"فطيرة وتبولة باي"، تحدّثت عن هموم المهاجرين العراقيين. إلى أيّ حدّ استطعت استلهام هذه الهموم الآن؟
ـ بسبب العلاقات الأسرية، كنتُ محظوظاً حقاً بالتعرّف، في أعوامٍ مديدة، إلى عوائل وأصدقاء عراقيين، هنا في لندن، ممن تكرّموا بفتح أبواب بيوتهم وقلوبهم لي. استمعت إلى قصصهم وذكرياتهم، وإلى ما يُقلقهم ويُسعدهم أيضاً في حياتهم اليومية في هذا البلد. الفيلم الروائي الطويل الأول، "مسيو كافيه"، قد يكون نصّاً يختزل ـ بشكل مكثّف ـ هذه الهموم والآمال، ويحاول وضعها في إطار درامي سينمائي. الفيلم القصير "تبولة وفطيرة باي"، كأنّه محطة تالية في رحلة تطوير أدواتي كسينمائي في تناول النقاط نفسها عن الهجرة والمهجر. "تبولة وفطيرة باي" يُمثّل أيضاً تجربة ثانية لي مع الفنانة أحلام عرب، التي أدّت ببراعة ورقّة دور صاحبة المقهى، الذي ينبثق منه عنوان الفيلم، "مسيو كافيه"، عام 2011. إنّه أيضاً تجربة تعاون ثانٍ مع أريج السلطان، التي اخترتها ـ كمنتجٍ للعمل ـ لإدارة الإنتاج في "مسيو كافيه"، وأصبحتْ ـ من خلال تجربة امتدت لأعوامٍ ـ منتجة مشاريع عدّة. هي التي قادت فريق الفيلم القصير، "تبولة وفطيرة باي"، كمنتجة له.

عبد الحميد: أسلوبي في إخراج الفيلم يُركّز على أداء جماعي للممثلين الذين يقدمون شخصيات عدّة للقصّة

* مَن الجهة المنتجة لفيلمك الجديد؟ هل عانيت مشكلة تمويل؟
ـ باستثناء الفيلم القصير "تبولة وفطيرة باي"، الذي أنتجته المنتجة العراقية ـ البريطانية أريج السلطان، أنتجُ مشاريعي بتمويل ذاتي. الميزانيات الصغيرة تأتي دائماً من مدّخراتي الشخصية، فأنا موظّف إداري في شركاتٍ أهلية بريطانية، في القطاع الإعلامي، منذ أكثر من عقدين. ولأنّي مؤلّف النصوص التي أنتجها وأخرجها، أتّبع الدرس الأول في المدرسة السينمائية المستقلة: أكتب النص، آخذاً بالاعتبار الميزانية الصغيرة، وأتجنّب أيّ موقع أو مشهد يُمكن أنْ يتجاوز إنجازه حدود الميزانية. 
 

المساهمون