أعطت جهات مصرية عليا تعليماتها لوسائل الإعلام المحلية بتجنّب التصعيد "المبالغ فيه"، ضدّ شخص رئيس هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية، تركي آل الشيخ، محذّرةً من الاستجابة لأية استفزازات مضادّة، يمكن أن تكون لها تأثيرات سلبية على مستويات تتجاوز الشخصيات العامة، إلى المستوى الشعبي.
وأكد عاملون، من داخل شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، المملوكة للمخابرات العامة في مصر، أن تعليمات صدرت لوسائل الإعلام بتخفيف الحملة المضادة لتركي آل الشيخ، وهي التعليمات نفسها التي صدرت للمسؤولين عن اللجان الإلكترونية التابعة للمخابرات أيضاً، وفقاً لعاملين فيها.
ووصل الاشتباك بين اللجان الإلكترونية التابعة لأجهزة الأمن في كل من مصر والمملكة العربية السعودية، والمعروفة باسم "الذباب الإلكتروني"، إلى مستوى غير مسبوق من التلاسن والتنابز. فوصل وسم #المخابرات_تبتز_تركي إلى رأس قائمة الأكثر تداولاً على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في المملكة، بعد مشاركة مئات من الحسابات الوهمية والتابعة لشخصيات حقيقية فيه. بينما صعد وسم #شوال_الرز في مصر، بعد مشاركة من مئات الحسابات أيضاً، وانتهى بتغريدة لآل الشيخ كتب فيها: "قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبر"، وهي التغريدة التي أعادت مئات الحسابات السعودية نشرها والتعليق عليها.
وتصاعد تأثير الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية، ويربطها كثيرون بسياسة أسّسها المسؤول السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، والذي كان يتمتّع بنفوذ واسع، قبل إعفائه من منصبه في أعقاب جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.
أمّا في مصر، فإنّ اللجان الإلكترونية تديرها شعبة خاصة في المخابرات العامة المصرية يشرف عليها العقيد أحمد شعبان، الساعد الأيمن لرئيس جهاز المخابرات، اللواء عباس كامل.
ويقول دبلوماسي مصري كان في السابق معنياً برصد ومتابعة تأثير وسائل الإعلام على ملف العلاقات المصرية السعودية، إن "الاشتباك الدائر بين اللجان الإلكترونية التابعة لكلّ من مصر والسعودية، والذي في ظاهره ناشئ بسبب إصرار المخابرات المصرية على تنظيم حفل للمطربة آمال ماهر، التي كانت تربطها علاقة سابقة برئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، المقرب من ولي العهد السعودي، وهي العلاقة التي شهدت تقلبات حادة وانتهت إلى منع آل الشيخ آمال ماهر من الغناء باستخدام عقود الاحتكار التي وقّعها معها في السابق، قد يرجع إلى أسباب أخرى أعمق من مجرد خلافات شخصية بين آل الشيخ والمسؤولين في المخابرات المصرية".
ويوضح أن "تنظيم حفل آمال ماهر في مدينة العلمين التي تتحكم فيها الدولة بشكل قوي ومباشر، حيث لا يستطيع أحد مهما كانت صفته أن ينظم حفلاً هناك من دون موافقة المخابرات العامة، وحضور وزير الشباب والرياضة الحفل، بالإضافة إلى بعض الفنانين المصريين الذين حملوا أعلام مصر، يعطي رسالة مفادها أن الحفل أقيم برعاية النظام، وأن آمال ماهر محمية من النظام في مواجهة تركي آل الشيخ، لأسباب لم تتضح حتى الآن".
بينما يرجّح مسؤول في الهيئة العامة للاستعلامات المصرية أن "استخدام تركي آل الشيخ معظم المنافذ الإعلامية السعودية بالإضافة إلى جيوش اللجان الإلكترونية، يؤكد أيضاً أنه مدعوم من النظام السعودي ومخابراته".
ووصل التلاسن على "تويتر" إلى استهداف نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العقيد محمود السيسي، الذي يعمل في المخابرات العامة، وصديقه المقرب العقيد أحمد شعبان، المسؤول الأول عن وسائل الإعلام في مصر. فنشر حساب باسم "البدر"، يُعرّف نفسه بأنه "سعودي من مدينة جدة"، صورةً كاريكاتورية للعقيد أحمد شعبان، في هيئة حيوانية وهو يجلس أمام جهاز كمبيوتر، ويخاطب كلباً كُتب عليه "عضو لجنة إلكترونية" قائلاً: "عايزك تقولهم إن وش آمال ماهر مخطوف وخايفة وشكلها بتتعذب"، وذلك في إشارة إلى أن شعبان كان يقف وراء "شائعة" خطف وتعذيب المطربة آمال ماهر.
أما الأخبار التي نشرت حول "قرار تركي آل الشيخ المفاجئ ببيع جميع عقاراته ومنزله داخل مصر"، فقد أكد مسؤول في إحدى الصحف المصرية أن "مصدر الخبر هو آل الشيخ نفسه، وتم توزيعه من خلال مسؤول السوشيال ميديا لديه، وأنه حاول نشره في العديد من الصحف والمواقع لكنه فشل في ذلك، باستثناء موقع الفجر الذي وافق رئيس تحريره مصطفى ثابت على نشر الخبر، بسبب علاقته القوية بتركي آل الشيخ ومساعده حمادة إسماعيل".
ويبدو من ذلك أن تركي آل الشيخ حاول الضغط على المسؤولين في مصر، عبر تهديدهم بسحب استثماراته من البلاد، إذا أصرّوا على المضي في تنظيم حفل آمال ماهر.
وفي السياق، علمت "العربي الجديد" من عاملين داخل شركة "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة للمخابرات العامة، والتي تمتلك معظم وسائل الإعلام في مصر، أن تعليمات صدرت للمسؤولين في الصحف والمواقع، يوم السبت الماضي، بمنع نشر أخبار عن المطربة آمال ماهر، وذلك بعد احتدام المعركة على وسائل التواصل الاجتماعي بين "الذباب الإلكتروني السعودي" من جهة، ونظيره المصري من جهة أخرى.
وأوضحت المصادر أنه "قبل ظهور المطربة آمال ماهر الأخير، ونفيها شائعة اختفائها، كانت التعليمات للصحف والمواقع تطلب عدم نشر أية أخبار خاصة بالمطربة، لكن في الفترة الأخيرة عادت المواقع إلى نشر أخبارها، وتمّت تغطية حفلها الأخير في مدينة العلمين الجديدة، ومن ثم عادت التعليمات مجدداً بعدم نشر ما يتعلّق بها".
وكان مصدر مطلع قد قال لصحيفة "العربي الجديد" في وقتٍ سابق "بعيداً عن تفاصيل ما جرى للفنانة آمال ماهر، فإن الأجهزة التي تدير وسائل الإعلام في مصر، استغلّت الواقعة جيداً، وقدّمتها كوجبة دسمة على مائدة الشائعات والأحاديث المتواصلة على وسائل التواصل الاجتماعي التي لا طائل منها ولا تؤدي إلى نتيجة سوى ضياع الوقت". وأكد المصدر أنه "ممنوع على جميع وسائل الإعلام التابعة للمخابرات العامة نشر أي أخبار خاصة بالفنانة آمال ماهر منذ فترة طويلة، حرصاً على عدم إغضاب رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية تركي آل الشيخ الذي يحتكر قانوناً الفنانة".