يتّخذ النقاش حول العدوان الإسرائيلي على غزة أبعاداً مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية. وبينما تتواصل التظاهرات والتحركات المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، تظهر على الهوامش نقاشات أكثر حدّة، وتعقيداً بينها قضية حرية التعبير داخل الجامعات الغربية، خصوصاً بعد التضييق على الطلاب المناصرين للفلسطينيين في أكثر من حرم جامعي، وقمع نشاطاتهم التضامنية، والتحريض عليهم.
وتعرض الطلاب الناشطون في الجامعات إلى مضايقات عدة وصلت في الأسابيع الأولى من العدوان إلى تهديدهم بالقتل من قبل "مجهولين". كذلك دعا مدير صندوق التحوط الملياردير بيل أكمان، ومعه عدد من المديرين التنفيذيين في كبرى الشركات الأميركية جامعة هارفارد، وجامعات أخرى، إلى الكشف عن أسماء الطلاب الذين وقعوا على خطاب يلوم إسرائيل على هجمات المقاومة الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى"، حتى يتمكن الرؤساء التنفيذيون من تجنب توظيفهم في شركاتهم.
لكن هذا التضييق لم يشمل الطلاب فقط، ولا النشاطات التي أقيمت داخل الكليات، بل طاول أيضاً أعضاء في هيئة التدريس، لوحقوا وحوسبوا على منشورات عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومع تصاعد الاحتجاجات في هارفارد وغيرها من كبرى الجامعات الأميركية، خصّص الكونغرس الأميركي جلسة استماع إلى رئيسات كل من هارفارد كلودين غاي، ورئيسة جامعة بنسلفانيا إليزابيث ماغيل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) سالي كورنبلوث حول تصاعد "معاداة السامية في هذه الجامعات".
واستعرض موقع "إنسايد هاير إد" أكثر من 12 حالة رقابة على حرية التعبير طاولت أعضاءً في هيئة التدريس سواء من خلال التحقيق معهم أو معاقبتهم من قبل الجامعات أو الجمعيات المهنية.
رقابة صهيونية على دعم غزة
نشرت ريناتا غانجيمي، وهي أستاذة مساعدة في جامعة رامابو في نيوجيرسي الأميركية، عبر "فيسبوك" الشهر الماضي رسماً كاريكاتورياً سياسياً لذراع بخطوط حمراء وبيضاء، متصلة بيد بقفاز باللونين الأبيض والأزرق ونجمة داود في إشارة إلى العلم الإسرائيلي. كانت اليد تحمل سكين جزار ملطخة بالدماء، تقطع ثلاث مرات جسد طفل ملطخ هو الآخر بالدماء، ويرتدي ملابس توحي أن الطفل فلسطينيّ. وفي كل مرة كانت السكين تخترق الرضيع، كانت تقطع كتاب "القانون الدولي".
بعد ساعات من منشور غانجيمي، أعادت منظمة "أوقفوا معاداة السامية" نشره على موقع إكس، إلى جانب صورتها ومنصبها ومكان عملها، مع تعليق هو التالي: "تخيل أن تكون طالباً يهودياً عند غانجيمي؟".
بعد يوم واحد فتحت كلية رامابو تحقيقاً حول منشور الأستاذة المساعدة. لكن ذلك لم يكن كافياً، بل انطلقت حملة ضد غانجيمي، قادها عضو الكونغرس الديمقراطي عن نيوجيرسي، جوش غوتهايمر، عبر "إكس"، قائلاً: "لقد شعرت بالقلق والغضب من هذا المنشور المعادي للسامية والمعادي لإسرائيل من أستاذة في جامعة رامابو... أجريت محادثة بناءة مع رئيس الجامعة الذي يحقق في الأمر".
وسريعاً، أضيف اسم غانجيمي إلى قائمة "الأفراد المعادون للسامية في الولايات المتحدة" عبر أكثر من موقع من مواقع جماعات الضغط الصهيونية.
من الفصول الدراسية إلى مواقع التواصل
في 12 نوفمبر/تشرين الثاني نشر حساب "غرفة إسرائيل الحربية" على "إكس" تسجيلات صوتية، لما قال إنه نقاش أستاذين في جامعة أريزونا عن الحرب على غزة داخل أحد الفصول. وتضمنت المقاطع تصريحات تقول إن الجيش الإسرائيلي يستهدف المدارس والكنائس والمستشفيات عمداً، وإن "الإبادة الجماعية فظيعة ووحشية".
وقال العميد المؤقت للجامعة، رونالد دبليو ماركس، لـ"إنسايد هاير إد" إن الجامعة منحت أستاذاً مساعداً ممارساً وموظفاً آخر إجازة مدفوعة الأجر للتحقيق في التعليقات التي أدليا بها حول العدوان.
أشار "إنسايد هاير إد" إن الجامعات استجابت بطرق متنوعة للجدل حول تعليقات أعضاء هيئة التدريس عن العدوان على غزة. إذ تحرّكت إدارات بعض الجامعات بسرعة للتحقيق مع أساتذة لديها، وحتى عزل بعضهم من الفصول الدراسية. وقال مؤسِّس تحالف الحرية الأكاديمية، كيث ويتنغتون، إن جامعات كثيرة تشعر بالقلق عندما يتعلق الأمر بخطاب أعضاء هيئة التدريس "حول هذه القضية تحديداً في الوقت الحالي".
دفاعاً عن حرية التعبير
لكن بعض الجامعات اتخذت مساراً آخر، فدافعت مثلاً جامعة ييل المرموقة عن أحد أساتذتها، وهي الأستاذة المشاركة في الدراسات الأميركية والعرق والهجرة والدراسات الدينية، زارينا غريوال. وقد واجهت هذه الأخيرة غضباً من طلاب مناصرين للاحتلال، وقعوا عريضة تطالب بفصلها بعدما نشرت عبر حسابها على "إكس" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، منشوراً تقول فيه "أرفع صلاتي من أجل الفلسطينيين. إسرائيل هي دولة استيطانية قاتلة ومرتكبة للإبادة الجماعية، وللفلسطينيين كل الحق في المقاومة من خلال الكفاح المسلح والتضامن". وأمام هذا الغضب صرّح متحدث باسم جامعة ييل بأن الجامعة "ملتزمة بحرية التعبير، والتعليقات المنشورة على الحسابات الشخصية للأستاذة غريوال تمثل وجهة نظرها الخاصة".