تحولات مشهد الإنتاج الدرامي في مصر
يبدأ، الخميس، عرض مسلسلات رمضان 2023، الموسم الذي يراه قطاع كبير من صناع الدراما فارقاً في مستقبل الإنتاج في مصر وعربياً، بسبب التطورات الإنتاجية المتتالية في الفترة الأخيرة، نظراً إلى أنه الموسم الأول بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر في الفترة الحالية. وتشير معظم التوقعات إلى تغير الخريطة الإنتاجية بشكل ملحوظ بعد الموسم الجديد، ومن أبرزها انتهاء العادة التاريخية بعرض المسلسلات حصراً في شهر رمضان كل عام، وتراجع سيطرة الدولة على صناعة المسلسلات المستمرة منذ ما يقارب 8 سنوات.
مقاومة الأزمة المالية
الأزمة الاقتصادية هي أول التحديات التي تواجه موسم رمضان 2023، وقد ألقت بظلالها بشكل واضح على خريطة المسلسلات الجديدة. وتأثرت الشركة المتحدة، ذراع الدولة المهيمنة على مشهد الإنتاج الفني في مصر، بالأزمة المالية نظراً لتحملها تكلفة إنتاج العدد الأكبر من مسلسلات رمضان من دون عائدات وأرباح كبيرة بعد تدهور حجم الإعلانات بفعل الأزمة. وكانت الأرباح الإعلانية تمثّل مصدر الدخل والتمويل الرئيسي للشركة. ففي الفترة الأخيرة قلصت معظم الشركات الكبرى حجم إعلاناتها على الشاشات التلفزيونية مقابل الإعلانات على الإنترنت، ما دفع القنوات الفضائية إلى تقليص أسعار الإعلانات على الشاشة من أجل جذب المعلنين.
ويتوقع عدد من العاملين في "المتحدة" أن تخرج الشركة بعد موسم 2023 بخسائر مالية بسبب ضعف الإعلانات الواضح، الأمر الذي سيؤثر تلقائياً على قدراتها الإنتاجية في المواسم الدرامية المقبلة، وعلى خطة إنتاج مسلسلاتها خارج موسم رمضان أيضاً، ما سيتسبب بالتالي في ضعف قبضتها على سوق الإنتاج في مصر. ففي السابق، كانت الشركة تملك جميع المنافذ من جهات إنتاج وعرض وإعلانات، أما الآن فتملك جهات عرض بلا عائد كاف من الإعلانات يمكنها من إنتاج أعمال جديدة.
عودة المستبعدين
وقبل القفز إلى النتائج المتوقعة بعد الموسم المقبل، كان تأثير الأزمة الاقتصادية واضحاً قبل رمضان 2023، وعلى رأسها قلة الأعمال المعروضة في الفترة بين رمضان الماضي ورمضان 2023، وكذلك التأخر في انطلاق تصوير معظم مسلسلات رمضان بسبب انتظار تسويق الأعمال وبيع حقوقها قبل البدء في تنفيذها، على عكس المواسم السابقة التي كانت مرحلة التسويق تأتي بعد التعاقدات والتصوير. وبذلك انتهت ميزة العرض الحصري على القنوات الفضائية، وأصبحت مسلسلات "المتحدة" تعرض في قنوات خليجية عدة في نفس توقيت عرضها المصري مثل روتانا والشارقة وعُمان وغيرها، إلى جانب حصول منصة "شاهد" التابعة لـ MBC على حقوق عرض هذه المسلسلات على منصتها للجمهور خارج مصر.
ولجأت الشركة المتحدة هذا العام إلى إعادة المنتجين المستبعدين (بسبب الاحتكار في السنوات الماضية) إلى العمل مرة أخرى في موسم رمضان، من أجل زيادة عدد المسلسلات المعروضة، وهي الخطوة التي يراها صناع الدراما مؤشراً إلى فشل استمرار سيطرة الشركة على سوق الإنتاج وقنوات العرض أيضاً. ومن بين هؤلاء العائدين بعد غياب، شركة "فنون مصر" التي تنتج مسلسل "حضرة العمدة" لروبي بالتعاون مع المتحدة، والمنتج ممدوح شاهين في مسلسل "تلت التلاتة" لغادة عبد الرازق، و"إكس لانس" لمحمد سعد، وكذلك المنتج أحمد السبكي العائد بمسلسل "رمضان كريم" و"جت سليمة" والمنتج كامل أبو علي وغيرهم.
مسلسلات أكثر وحلقات أقل
زادت حصيلة مسلسلات شركة المتحدة هذا العام مقارنة بالعام الماضي. لكن ذلك طبعاً ليس مؤشراً على الازدهار أو تجاوز الأزمة المالية، بل هو كما ذكرنا سابقاً، نتيجة طبيعية لدخول منتجين جدد كانوا مستبعدين عن المشهد، إذ يشارك هؤلاء في إنتاج 6 مسلسلات من أصل 16 عملاً تقدمها الشركة. كذلك فإن 6 مسلسلات ستمتد على 15 حلقة وليس 30، كما سنتابع مسلسلاً من 20 حلقة (الكتيبة 101) وآخر من 10 حلقات (الحرب) فقط. وتدل هذه الأرقام على تراجع قدرات الشركة على إنتاج عدد مسلسلات من 30 حلقة مثل السابق. ورغم أن المنتجين يصرون على أن تقليص عدد الحلقات سببه عدم إغراق المشاهد في الملل، فإن العاملين في صناعة هذه المسلسلات يعلمون أنها في الأساس حيلة اقتصادية لزيادة عدد المسلسلات وضمان مشاركة عدد أكبر من النجوم بالإضافة إلى قلة التكلفة.
هكذا تدريجياً كلّ عام يتناقص عدد المسلسلات أو عدد حلقاتها. فهذا العام كما ذكرنا أعلاه، تدخل "المتحدة" للمرة الأولى
بمسلسل من 10 حلقات أعلنت عنه قبل أسبوع فقط من بداية رمضان، وهو مسلسل "حرب" مع أحمد السقا ومحمد فراج، في دلالة إضافية على حالة العجز والتخبط في اتخاذ القرارات الإنتاجية وعدم وضوح الخطة بشكل مسبق، بالإضافة إلى فشل تصوير مسلسلات عدة في اللحظات الأخيرة بسبب تكاليف الإنتاج مثل مسلسل "الحشاشين" لكريم عبد العزيز، ومسلسلات أخرى لأحمد السقا وياسر جلال ويوسف الشريف وغيرهم، في الوقت الذي تحقق فيه المسلسلات خارج موسم رمضان نجاحات متزايدة سواء في عددها أو في حجم نجاحها بشكل يفوق نجاح مسلسلات عدة في رمضان.
وفي مقارنة بسيطة، نلاحظ أن منصة "شاهد" السعودية تعرض وحدها أكثر من 20 مسلسلاً، بعدد يفوق عدد مسلسلات رمضان المصرية، التي كان عددها يصل في السابق إلى 40 و50 مسلسلاً قبل أن تتراجع إلى معدل 15 مسلسلاً كل موسم مع المتحدة. واستطاعت المنصة السعودية أن تجذب عدداً كبيراً من النجوم المصريين ومن نجوم شركة المتحدة نفسها، مثل أمير كرارة ومحمد رمضان، اللذين يستعدان للانضمام إلى المنصة بمسلسلات قصيرة بعد رمضان 2023. ويفقد بذلك موسم رمضان أهم المميزات الدرامية، فالنجوم الذين ينتظرهم الجمهور باتوا متاحين طيلة العام بمسلسلات قصيرة، بالإضافة إلى تراجع حجم الإعلانات، واتجاه المنتجين إلى تسويق مسلسلاتهم بشكل كبير وعرضها بأسعار منخفضة على عدد كبير من القنوات لتغطية تكلفة الإنتاج، ما يتعارض مع أساس العرض الرمضاني القائم على فكرة العرض الحصري والمزايدات على أسعار المسلسلات من أجل الانفراد بالإعلانات.