بثت منصة نتفليكس أخيراً العرض الكوميدي Bill Burr: Live at Red Rocks الذي يستعيد فيه الكوميديان بيل بور أسلوبه وسطوته، بعد العرض الرديء الذي بُث سابقاً وعنوانه Bill Burr Presents: Friends Who Kill. ففي العرض الجديد، يقف بور على خشبة المدرج المكشوف، "ريد روكس"، في كولورادو، مُحتفلاً مع الجمهور في الهواء الطلق بانتهاء زمن الحجر الصحي، وعودة الحياة إلى طبيعتها نوعاً ما، مقدماً لنا ساعة وعشرين دقيقة من أدائه المعتاد، حيث الغضب، والشتائم، والحرب مع الذات، والأهم، الاستخفاف بثقافة الإلغاء، والدفاع عن حرية السخرية والانتقاد مهما كانت النتيجة.
الموضوعة التي تطغى على العرض، أو أغلب عروض بور، هي الغضب، المشكلة التي يواجهها بصورة يومية ويشير إلى أنه يتلقى علاجاً نفسياً في سبيل تجاوزها، ما يحوّل مساحة العرض الكوميدي إلى خشبة للتناقضات؛ هناك بور الغاضب الذي لا يفهم بدقة ما يحصل في "العالم"، غير القادر على التسامح مع بعض المفرطين في حساسيتهم، وهناك بور الأب والزوج الذي يحاول الحفاظ على أسرته، وعدم نقل مشكلاته إلى ابنته الصغيرة.
الصراع بين النموذجين/الشخصيتين، يحوّل بور نفسه إلى محط النكتة؛ إذ يحاول تشريح ما يمر به وما يختلف فيه عن الآخرين، في محاولة للإجابة عن سؤال: هل أنا المشكلة أم أنهم الآخرون المفرطون في حساسيتهم؟ إذ يلقي نكات عن غضبه في الشارع، وفي المقهى وفي المنزل، حيث يسعى لامتلاك بضع دقائق لنفسه، ليبدو أقرب إلى الرجل الطفل، ذاك الذي يتأفف من مسؤولياته، ويحاول إنجازها بسرعة، ليس للتهرب منها، بل لينال ساعة من الزمن يجلس فيها وحيداً من دون منغصات.
صراع بور مع "العالم" ازداد بسبب ما نشهده الآن، والمقصود تحميل الرجل كل مشكلات التاريخ والحاضر (الشأن الذي لا نختلف عليه). لكن بور يطرح بعض التساؤلات التي تبدو محقة. مثلاً، يشير إلى عالم الرياضة، ويسخر من المعلقين الرياضين الذين يعجزون أمام سؤال "لماذا تتقاضى النساء أجراً أقل من الرجال؟". يرى بور أن الجميع جبناء، ولا يجرؤون على نطق الجواب البسيط : "لأن هذه الرياضة النسائيّة لا تبيع البطاقات، لا أحد يشاهد الألعاب النسائية الجماعيّة"، في إشارة إلى كرة القدم وكرة السلة. ليبدأ بعدها بانتقاد التيار النسوي وتقصيره، مُستغرباً اللوم الموجه للرجال لأنهم لا يتابعون رياضات النساء ويشترون البطاقات، ويقترح عوضاً عن النحيب حلاً آخر: لم لا تذهب كل النسويات إلى الملاعب ويشترين البطاقات؟ ما سيؤدي عملياً إلى ارتفاع أجر اللاعبات. ما من إجابة بالطبع، مجرد ضحك.
يشير بور إلى ثقافة الإلغاء، وكيف تحولت إلى أسلوب لتنظيف الضمير، أكثر من كونها وسيلة لمحاسبة من لا تطاولهم العدالة. يشير مثلاً إلى الحرب التي تشن على الموتى، كشون كونري الذي تحول إلى ذكوري بسبب تعليق قديم ألقاه بخصوص تعنيف المرأة. وهنا يطرح بور السؤال الذي لم يجب عنه أحد: لماذا أُلغي حق الدفاع عن النفس وتبرير الموقف؟ لم "الاستقواء" على الموتى وإلغاؤهم، من دون تقدير للظرف التاريخي والشخصي؟ لم يجرِ تجاهل حقيقة أنهم موتى، ولا يمتلكون لساناً للدفاع عن أنفسهم؟
الفقرة الأشد إشكالية في العرض هي تلك الخاصة بتبرئة النساء، إذ يرى بور أن القواعد الجديدة لنظام الإدانة والاتهام بالذكورية، أو فعل ما لا يغتفر، ليست عادلة، بل متحيزة للمرأة. وهنا يضرب مثال كوكو شانيل، وتعاونها مع النازيين، وكيف جرى تجاهل ذلك، مستغرباً لِمَ لَمْ تتعرض إلى الإلغاء ولم تُحرق الحقائب والفساتين التي تحمل اسمها في الشارع؟ ليتابع بعدها حديثه/نكاته، مشيراً إلى بعض ميزات "المرأة"، والحلول التي تمتلكها من أجل النجاة بنفسها وعملها، ومقدار ذكورية هذه الحلول المتعلقة باستخدام الجسد من أجل الكسب أو تفادي الخطر.