"بيتنا" في الموصل... كي تستعيد المدينة ذاكرتها

03 يناير 2024
قام تنظيم داعش بتفجير المنارة الحدباء الرمز الأهم للمدينة (لودوفيك مارين/ فرانس برس)
+ الخط -

تجتهد منظمات المجتمع المدني في مدينة الموصل، العاصمة المحلية لمحافظة نينوى شمالي العراق، للحفاظ على جملة من أساسيات ثقافة وتراث وحضارة المدينة التي تدهورت أوضاعها وتعرضت لخسائر بشرية تقدر بعشرات الآلاف، وخسارات ثقافية وعمرانية واستهداف لهويتها الأصلية وديمغرافية سكانها، بعد أعوام طويلة من التوتر الأمني والحرب على "داعش" الذي احتل نينوى لثلاث سنوات (2014 -2017).

يعمل ناشطو الحراك المدني وصحافيون على الحفاظ على ثقافة الموصل الفريدة ولهجتها التي لا تشبه لهجات أهل بلاد الرافدين في بقية المناطق، كما أنهم يسعون إلى الانفتاح نحو العالم من خلال جعل مدينتهم وجهة سياحية، بعد أن حظيت باهتمام عالمي خلال فترة الحرب الأخيرة.

ومضى أكثر من ست سنوات على استعادة الموصل، بعد معارك شرسة خلفت آلاف القتلى، وتدميراً شبه كامل لمركز المدينة الذي يعرف باسم الموصل القديمة. الأخيرة باتت نقطة التقاء أغلبية السياح؛ إذ استقر عدد من المنظمات المحلية فيها، ومن بينها مؤسسة "بيتنا" للثقافة والفنون والتراث، التي تأسست بعد أيام من إعلان تحرير المدينة في 10 يوليو/ تموز 2017، على أطلال منازل أحياء قديمة، هي أصل الموصل ومنها روحها التاريخية وإرثها المعروف.

يقول رئيس مؤسسة "بيتنا" صقر آل زكريا، وهو صحافي ومدون، إنه في فترة احتلال "داعش" للموصل، اضطر إلى النزوح نحو بغداد، ومنها انطلق لتأسيس صفحة على "فيسبوك"، كان هدفها "مواجهة وكشف إجرام الحركة الإرهابية بحق المدنيين، وممارساتها في تدمير الآثار والتراث واستهداف هوية المدينة، إضافة إلى الانشغال في ملفات بناء السلام والتنمية وتقليل موجة التحريض ضد أهالي الموصل التي كانت قد ظهرت في تلك الفترة". ويضيف آل زكريا: "في الأيام الأولى، بعد الإعلان عن تحرير المدينة، نقلت سكني المؤقت من بغداد وعدت إلى الموصل، وشرعت بتأسيس بيتنا كأول مؤسسة ثقافية في قلب المدينة المنكوبة آنذاك".

اتخذت المؤسسة من حي الفاروق مقرّاً، إذ تقع مقابل جامع النوري الذي أعلن منه "داعش" بدء خططه الإجرامية بحق العراقيين، والمنارة الحدباء، وهي الرمز الأهم في المدينة، وما ترتب عليها من آثار نفسية بعد تفجيرها من قبل التنظيم. ويقول: "كان معي مجموعة من الشباب، وبالفعل فقد انطلقنا من بيت موصلي شرقي قديم".

يشير صقر آل زكريا إلى أن "أهداف المؤسسة عديدة، من بينها صون هوية الموصل التي دُمرت بسبب الحرب وأسباب أخرى، لأن الهوية الموصلية الأصيلة تعرضت إلى تدمير مثلما تعرضت المدينة، ولذلك نعمل على صون الهوية والمهمة صعبة جداً، لأننا بدأنا العمل من مدينة مدمرة، لكن برغم التحديات فإننا حققنا نجاحات كثيرة وكبيرة".

ويؤكد أن "الموصل غيبت بسبب تراجع النشاطات الثقافية بعد 2003 جراء الأوضاع الأمنية المتردية، وعام 2014 انتهى كل شيء تقريباً، لأن داعش كان يريد اللون الأسود فقط في المدينة، وحُرّمت كل النشاطات الثقافية. وأتذكر أول شهرين من العمل، كنّا نرتب المقر الخاص بالمؤسسة وكانت رائحة الجثث تحوم حولنا".

تقيم المؤسسة الورش الثقافية والندوات والأماسي الفنية وحفلات توقيع الكتب والمهرجانات، حتى باتت مؤسسة "بيتنا" لها مكانة بين المؤسسات العربية المعنية بالثقافة والتراث، كما تهتم بالأطفال، إذ يلفت آل زكريا إلى أن "الجيل الجديد الذي ولد إبان استيلاء الإرهابيين على المدينة، وتربى وكبر خلال السنوات الماضية، لا يعرف شيئاً عن أهميتها التاريخية ومعالمها، بل حتى لهجتها الأصلية، ولا يعرف معالمها مثل المنارة وحضارتها مثل الحضر والنمرود، ولا عن المعابد والكنائس، لذلك نعمل على ربط الجيل الجديد بتاريخه من خلال سلسلة من النشاطات".

ويفيد بأن "المؤسسة عملت مع جهات عراقية، مثل وزارتي الثقافة والشباب والرياضة، وأجنبية مثل يونسكو والاتحاد الأوروبي والمجلس الثقافي البريطاني والوكالة الأميركية للتنمية الدولية وجامعات نمساوية، كما للمؤسسة شراكة استراتيجية مع جامعة النور في الموصل، لتنفيذ عدد من المشاريع والبرامج الخاصة بالأطفال والشباب في الموصل، ونخطط حالياً للانفتاح على مناطق شبيهة بالموصل، مثل ماردين التركية وحلب السورية".

 وعن الحركة المدنية ونشاطاتها في الموصل بعد الحرب، يوضح صقر آل زكريا، أنها "نشطة، وأن منظمات دولية عديدة، أجرت برامج ومشاريع وتدريبات، مع وجود اهتمام دولي بالمنظمات المحلية التي عكست وجها مهما للمدينة. ونفتخر أننا جزء من هذه الحركة المدنية".

المساهمون