بوق للدعاية الصهيونية قد يستحوذ على صحيفة ديلي تليغراف البريطانية

17 أكتوبر 2024
قلق بين العاملين في "ديلي تليغراف" إزاء صفقة الاستحواذ (سكوت باربور/ Getty)
+ الخط -

يجري قطب الإعلام البريطاني دوفيد إيفيون، ناشر صحيفة نيويورك صن ورئيس صحيفة الجالية اليهودية الأميركية "ألغماينر" Algemeiner، محادثات حصرية لشراء صحيفتي ديلي تليغراف وصنداي تليغراف البريطانيتين. لكن محاولته الاستحواذ على هاتين الصحيفتين البارزتين تثير قلقاً بين العاملين فيهما، نظراً إلى سجله الحافل من التعليقات المضللة والمحرِّضة ضد الفلسطينيين، علماً أنه يصف نفسه بأنه "يهودي بشكل لا لبس فيه".

تخضع المحادثات بين إيفيون ومجموعة تليغراف ميديا ​​لتدقيق هيئة تنظيم وسائل الإعلام البريطانية "أوفكوم". وأفادت صحيفة ذا غارديان البريطانية بوجود مخاوف في غرفة تحرير أخبار "تليغراف" بشأن عملية الاستحواذ المحتملة هذه، ونقلت عن مصدر داخلها قوله: "نحن بالفعل مؤيدون لإسرائيل، لكن هناك قلقاً من أنه (إيفيون) سيحول تليغراف إلى صحيفة دعائية شخصية".

في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ادعى دوفيد إيفيون في منشور على منصة إكس أنه قد "عُثر على طفل رضيع في فرن، مطبوخ حتى الموت على يد إرهابيي حماس"، وهي رواية كاذبة كررها الصهاينة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، في السابع من أكتوبر 2023. 

وفي 6 مايو/أيار الماضي، غرّد إيفيون دعماً للعدوان الإسرائيلي على رفح، بعد تحذير الأمم المتحدة من أنه سيتسبب في خسائر فادحة في الأرواح. فكتب: "تحتاج إسرائيل إلى إنهاء المهمة في رفح. كل الأبرياء في المنطقة سيكونون في وضع أفضل". في 5 إبريل/نيسان الماضي ادعى أنه "لا مجاعة في غزة. ولا إبادة جماعية هناك. لم يُقتل أكثر من 30 ألف مدني. إسرائيل لا تستهدف الأبرياء".

إيفيون ليس حديث عهد في خدمة إسرائيل والدعاية الصهيونية. عام 2011، كتب مقالاً لموقع الأخبار "مازتاف" يعارض فيه تصويت الأمم المتحدة لمصلحة إقامة دولة فلسطينية، وجادل بأن "اليهود يجب أن يعارضوا بشدة إعلان الأمم المتحدة، وجميع الجهود الأخرى نحو استقلال العرب الفلسطينيين والاعتراف بهم والتعاطف العالمي معهم".

في 2020، نشرت "ألغماينر" مقالاً لكاتب يدعي أنه طالب في جامعة برمنغهام البريطانية، يُدعى أوليفر تايلور، هاجم فيه أكاديمياً وزوجته الفلسطينية. كان إيفيون حينها رئيس تحرير الصحيفة قبل أن يصبح رئيسها. 

هاجم المقال الأكاديمي البارز المقيم في لندن، مازن المصري، الذي مثّل الصحافيين والناشطين الذين اختُرقت حساباتهم بواسطة برمجية بيغاسوس، التي طورتها شركة الهايتك والبرمجة الإسرائيلية "إن إس أو"، وساعد في مقاضاة الأخيرة. واتهم المقال المصري وزوجته الناشطة في مجال حقوق الفلسطينيين، ريفكا برنارد، بأنهما "من الشخصيات المعروفة بالتعاطف مع الإرهاب". حينها، نفى المصري وزوجته صحة الادعاء، وتساءلا عن سبب توجيه طالب جامعي الاتهامات لهما تحديداً.

لكن وكالة رويترز الإخبارية كشفت أن المدعو أوليفر تايلور، الذي نشرت باسمه كذلك مقالات في صحيفتي جيروزاليم بوست وتايمز أوف إسرائيل الإسرائيليتين ليس إلا شخصية وهمية، إذ تبين بعد البحث والتقصي أنه لم يكن لدى جامعة برمنغهام أي سجل يشير إلى أنه درس فيها، كما أكّد خبراء أن صورته الشخصية كانت مزيفة بإتقان. 

يُذكر أن مجموعة ريد بيرد آي إم آي أعلنت، في إبريل الماضي، أنها ستبيع مجموعة ديلي تليغراف بعدما قررت سحب عرض استحواذ قدمته، وذلك لأن الصفقة "لم تعد ممكنة" بسبب تدخّل من الحكومة البريطانية. وسيطرت "ريد بيرد آي إم آي"، المدعومة من أبوظبي، فعلياً على صحيفة ذا ديلي تليغراف ومجلة سبيكتاتور في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما سددت ديون عائلة باركلي المالكة لهما، بما في ذلك قرض قيمته 600 مليون جنيه إسترليني (753 مليون دولار أميركي) مقابل حصولها على حقوق الملكية.

لكن عملية الاستحواذ، التي واجهت تدقيقاً من الجهات التنظيمية لفترة طويلة، تلقّت ضربة قاضية في مارس/ آذار الماضي عندما قالت بريطانيا إنها ستمنع الحكومات الأجنبية من امتلاك الصحف. قدمت الشركة تطمينات في أكثر من مناسبة بأنها "ملتزمة تماماً بالحفاظ على فريق التحرير الحالي" في "ديلي تليغراف"، وأن استقلاله التحريري "ضروري لحماية سمعته ومصداقيته". لكن ذلك لم يمنع من أن تثير عملية الاستحواذ المدعومة من أبوظبي على الصحيفة، التي تعبر عن وجهات نظر من داخل حزب المحافظين الحاكم، مخاوف من تأثر التقارير الإخبارية بالنفوذ الأجنبي، وهو الأمر الذي يقول معارضون إنه "قد يهدد الديمقراطية في بريطانيا".

ولا تفرض بريطانيا حظراً على امتلاك الأجانب للصحف البريطانية، إذ تمتلك شركة أميركية مملوكة لرجل الأعمال، روبرت مردوخ، صحيفة ذا تايمز المنافسة لصحيفة ذا ديلي تليغراف منذ فترة طويلة. لكن الضغوط دفعت بالحكومة التي تتبع منذ سنوات نهجاً منفتحاً تجاه عمليات الاستحواذ الأجنبية للتدخل في الصفقة، وأمرت بإجراء تحقيق لتقييم تأثير الصفقة على حرية التعبير ودقة التقارير الإخبارية.

المساهمون