بانكسي الذي ينجز أعماله وينتظر سرقتها

20 اغسطس 2024
من الأعمال المُنجزة أخيراً (دان كِتوود/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في 2018، تمزقت لوحة بانكسي "طفلة تحمل بالون" بعد بيعها بأكثر من مليون باوند، وبيعت لاحقاً تحت اسم "الحب في القمامة" بأكثر من 18 مليون جنيه إسترليني، مما أثار ضجة كبيرة.
- أعمال بانكسي تُسرق وتباع بشكل متكرر، مثل جدارية بيعت بمليوني جنيه إسترليني، مما جعل أعماله تبدو كأي غرافيتي معرّض للتلاشي والسرقة.
- بانكسي لم يعد يثير الجدل كما كان، وأعماله أصبحت تزيينية وتهدف لرفع الوعي، مما يعرضه للانتقاد حول استقلاليته ورغبته في البقاء في الفضاء العام.

لم ينسَ عشاق عالم الفن ما شهدته صالة سوذبي للمزادات الفنيّة في عام 2018، حين تمزّقت لوحة بانكسي التي تحمل عنوان "طفلة تحمل بالون"، المعروضة للبيع بسعر يتجاوز المليون باوند، في احتجاج على سياسات سوق الفن، لتباع بعدها بسعر يتجاوز الـ18 مليون جنيه إسترليني تحت اسم "الحب في القمامة".
الضجة التي أثارها هذا الحدث لم تغير شيئاً، ولم تؤثر في نشاط بانكسي الذي تحول الآن إلى شأن اعتيادي، خصوصاً أنّ "أعماله" تتحدى تعريفات الفن التقليدية، بل تحولت إلى "سلعة" يستفيد منها فلسطينيو الضفة الغربية، عبر قصها وبيعها عن الجدران، كما يكشف لنا وثائقي "الرجل الذي سرق بانكسي" (2018).
كلّ هذا الجدل حول الرسام لم يعد له الألق السابق، بل تحولت أخباره إلى مقاطع ساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت أخيراً عدة مقاطع لأعماله التي تُسرق، وربما تباع، كما حصل مع جدارية له في لندن بيعت بمليوني جنيه إسترليني، إذ سُرق طبق استقبال عليه "لوحة" لبانكسي من لندن، كما فكك عمال بناء "لوحة" له على شكل قطة، في حين خُرّبت أخرى بشكل وحيد قرن. سلسلة الحيوانات هذه تعرضت إلى التخريب والسرقة، كأيّ عمل غرافيتي معرّض إلى التلاشي والسرقة.
لكن، يبدو أن الرسام الشهير لم يعد يثير الجدل الكافي، خصوصاً أنّ أعماله هذه، في لندن، موجودة في مناطق لا تحوي خطراً، ولا مشاكل سياسية فيها، أي أنّ عمله أصبح أقرب إلى التزيين ورفع الوعي، من دون إثارة مشاكل مع السلطة وتحديها، سواء كنا نتحدث عن جداريته في الأراضي المحتلة، أو حادثة تقطيع لوحة في صالة مزاد. كأنّ بانكسي الآن يلعب في الجانب الآمن.
ربما سلسلة الحيوانات التي ينجزها بانكسي ليست إلّا رد فعل على موجة الاحتجاجات ضد التهديد الذي يتعرض له المناخ، والذي بلغ حد الاشتباك مع الشرطة في بريطانيا على يد منظمة "أوقفوا النفط" وتخريب الأعمال الفنيّة، كما حصل حين خربت لوحة لفان غوغ. في هذا السياق، يبدو بانكسي مسالماً ولا يرغب بالاشتباك.
هالة بانكسي هذه لطالما تعرضت للانتقاد، خصوصاً أنه يحاول دوماً الاستقلال عن المؤسسة الرسميّة، بل السماح لـ"اللصوص" بسرقة أعماله وبيعها. تتضح هذه المواجهة في موقفه من المعرض الفنيّ الذي أقيم في باريس لـ"أعماله" والذي واجه انتقاد الصحافيين وبانكسي نفسه الذي أعلن أن لا علاقة له به، كون المعروضات ليست أصلية، بل نسخ من أعماله. هنا، يتضح مثلاً أنّ بانكسي مصمم على الحفاظ على سرية هويته، والأهم مشاع ملكية أعماله للجمهور فقط، وليس لأيّ مؤسسة.

مشاعية الملكية هذه تتضح في العمل الذي فسره كثيرون بدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إذ سُرق بعد ساعات من نشر صورته على صفحة بانكسي. وهنا تظهر مفارقة من نوع ما: سهولة سرقة العمل تتعلق بمكان إنجازه الذي يختاره الرسام نفسه؛ فبين عمل أُنجز على جدار الفصل العنصري يحتاج إلى أيام لتفكيكه وسرقته، وعمل يمكن سرقته بدقائق، يمكننا مساءلة بانكسي ورغبته باستمرار هذا العمل وحضوره في الفضاء العام، الذي يبدو أن بانكسي في حالة الإبادة في قطاع غزة اختار لعمله مكاناً تسهل سرقته. هل "تعب" بانكسي؟ أم اختار اللعب بأمان؟

المساهمون