باموكالي التركية... مدينة ناصعة البياض

28 اغسطس 2022
كلمة "باموكالي" التركية تعني "قلعة القطن" (Getty)
+ الخط -

تتعدد العناصر الجذابة في مدينة باموكالي التركية لتجعل منها واحدة من أكثر المناطق استقبالاً للزائرين طوال العام، وقد وضعتها يونسكو عام 1988 في قائمة مواقع التراث العالمي لما تمتاز به من قيمة تاريخية وطبيعية نادرة. تقع باموكالي في محافظة دنيزلي، جنوبي غرب البلاد، وتحظى بمناخ معتدل إلى حدٍّ كبير في معظم أشهر السنة. وكلمة "باموكالي" التركية تعني "قلعة القطن"، وهذا الوصف حصلت عليه المنطقة بسبب تكوينات الحجر الجيري البيضاء المتلألئة كأنها ثلوج أو مساحات كبيرة من القطن الأبيض، وتوجد هذه التكوينات على شكل مصاطب مدرّجة يجعل منها لوحة فنية فريدة. 

تكوينات الترافرتين

ترسبات الترافرتين هو اسم التكوين الذي يُظهر باموكالي على هذه الصورة البيضاء الناصعة، وهي عبارة عن طبقات متراكبة من الحجر الجيري، ويبلغ طوله حوالي 2700 متر وعرضه 600 متر وارتفاعه 160 متراً. وقديماً كانت حمامات الترافرتين الغنية بالكالسيوم قبلة للسائحين وطالبي الشفاء من الأمراض الجلدية وأمراض القلب والدورة الدموية، بل يقال إنها كانت ملاذاً لعلاج الجنود الجرحى في العصر الروماني. 

المدينة المقدسة

يعود تاريخ مدينة هيرابوليس أو "المدينة المقدسة" التي شيدت في باموكالي إلى أوائل القرن الثاني قبل الميلاد، حيث كانت مركزاً لعبادة "أتارجاتس" وهي إلهة الخصوبة الشهيرة في الشمال السوري. وتوجد بالمدينة أطلال لإحدى القلاع والمعابد القديمة، بالإضافة إلى الكنيسة البيزنطية والطريق المعبد الذي يمتد إلى معبد أبولو. قبل عصر المسيح شهدت المدينة نزوحاً كبيراً لليهود إليها حتى بلغ عددهم حوالي 50 ألف يهودي سنة 62 قبل الميلاد، وفي العصر المسيحي تأثر الأهالي بدعوة بولس الرسول إلى المسيحية وشيدوا بها كنيستهم الأولى، لكن رحلة تمكّن المسيحية من باموكالي لم تكن سهلة، فقد عانى المسيحيون زمناً، حتى إن فيليبس الرسول قتل في هذه المدينة سنة 80م، ويقال إن كنيسة الشهداء قد شيدت في الموقع الذي صلب فيه فيليبس، غير أن القرن الرابع شهد هيمنة كبرى للمسيحية على المدينة لدرجة أن الحمامات الرومانية تحوّلت إلى كنائس مسيحية.

وضعتها يونسكو عام 1988 في قائمة مواقع التراث العالمي (Getty)

البركة العتيقة

يطلق على البركة "العتيقة" أيضاً اسم "حمام كليوباترا" لأن الملكة كليوباترا السابعة (69-30 قبل الميلاد) جاءت إلى هذا المكان وبقيت فيه بعض الوقت للاستشفاء. وتقع هذه البركة على التلال المطلة على نهر مندريس، وقد تشكلت إثر زلزال كبير. وتتراوح درجات حرارة المياه في البركة بين 36 و57 درجة مئوية، وتعلو فيها نسبة الكبريتات والبيكربونات وثاني أكسيد الكربون، وهي متفاوتة العمق، وتحيط بها العديد من الأشجار والنباتات والأعمدة الرخامية والقواعد التي تعود إلى معبد أبولو القريب، وبالقرب من البركة العتيقة شيدت الحكومة التركية بركة حديثة للاستشفاء أيضاً، تستمد مياهها من الينابيع الساخنة ذاتها. 

مسرح هيرابوليس

هو مسرح روماني يقع أعلى المدينة يقال إنه بني في عهد الإمبراطور هادريان (76-138م)، ويبلغ طوله 100 متر ويوجد به مستويان من المقاعد لكل واحدٍ منهما 26 صفًا، يسع لما يزيد عن 12 ألف متفرج، لا يزال المسرح يحتفظ بكثير من تفاصيله الأصلية، كما أن بعض النقوش العتيقة واللوحات الزخرفية على جدران المسرح لا تزال في حالة جيدة، وهي توثق للعديد من الأساطير القديمة، وقد تم ترميم المسرح عام 1972 على أيدي بعثة إيطالية أنقذت الأماكن المتصدعة، وأعادت بناء الأجزاء المتهدمة على صورة مطابقة لنمطها المعماري القديم.

تحظى بمناخ معتدل إلى حدٍّ كبير في معظم أشهر السنة (Getty)

متحف الآثار

بالرغم من صغر حجم متحف آثار هيرابوليس فإنه يعد من أهم المتاحف التركية نظراً لما يتضمنه من معروضات فنية أخذت من عدد من المواقع التاريخية في الأناضول، وهو يتكون من ثلاث صالات للعرض تضم مجموعات متنوعة من التماثيل وشواهد القبور إلى المقتنيات والأعمدة وغيرها، بالإضافة إلى خزانة كتب وصالة للألعاب الرياضية. وقد شيد المكان الذي أقيم فيه المتحف في مكان أثري شيد بأحجار الترافرتين ومغطى بالرخام الملون. 

بوابة بلوتو

إحدى  المغارات الغريبة التي تشكلت من تلك التكوينات استخدمها الكهنة باعتبارها معبداً أُطلقّ عليه اسم البلوتونيوم (مكان الإله بلوتو)، وكانت بوابة هذه المغارة تسمى "بوابة جهنم" أو "بوابة العبور لعالم الأموات" وتحكي الأساطير القديمة أن الكائنات الحية التي تمر عبرها تموت لسبب غامض مثل الثيران بينما لا يتعرض الكهنة لأي أذى، وكانوا يفسرون الأمر بأن المغارة تحتوي على النفس القاتلة للإله بلوتو التي لا تؤثر في الكهنة الصالحين، وقد كتب عنها المؤرخ اليوناني أسطرابون. بعض التفسيرات الحديثة تقول إن ما كان يحدث هو أن المغارة تقع مباشرة في نقطة تتسرب منها كميات قاتلة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، فتملأ الجزء الأسفل من الكهف، ولما كان الكهنة يدخلون مع القرابين فإن الثيران تموت، بينما يبقى الكهنة أحياء لأن قاماتهم أعلى من مستوى الغاز القاتل المتكثف في الأسفل. 
يذكر أن التقارير الرسمية تشير إلى أن أعداد السياح الذين وصلوا للمدينة خلال الأشهر الستة الأولى من 2022 بلغت حوالي نصف مليون سائح، وتبذل الجهود من أجل الوصول إلى مليوني سائح سنوياً كما كان الحال قبيل فترة انتشار وباء كورونا. 

المساهمون