باقر الربيعي: غير معقول أن أصنع فيلماً رومانسياً في حالة اقتتال

22 ديسمبر 2022
باقر الربيعي: للمكان أهمية كما للصورة والبعد الدرامي (الملف الصحافي)
+ الخط -

باقر الربيعي مخرج عراقي يعمل في قناة كربلاء الفضائية. أنجز أفلاماً روائية قصيرة منذ عام 2009، منها: "همسات الشياطين" و"الجانب الآخر" و"صورة" و"البنفسجية"، وآخرها "ترانزيت"، نالت اهتمامَ نقّاد ومتفرّجين، واستطاعت الوصول إلى مهرجانات عالمية. يعكف حالياً على تحقيق فيلمٍ روائي طويل، يُقدّم فيه نظرة أخرى عن الحرب الأهلية التي استنزفت أرواحاً كثيرة في بلده.

في هذه المناسبة، حاورته "العربي الجديد".

نبدأ من "ترانزيت". إنّه فيلم عن الحرب، مُصوَّر في مكان مغلق، في غرفة مليئة بالأضابير. قدّم الحرب كأبشع وسيلة للموت. كيف جاءتك فكرته؟

في أفلامي السابقة، تناولت الحرب بصورة مغايرة، عكس ما قدّمته السينما العالمية في أفلام الحروب. مثلاً، تستخدم هذه الأفلام الحروب، غالباً، كدعاية للفخر والانتصار، وإظهار جوانب عدّة، كالمقاومة العظيمة التي يقوم بها المقاومون. لكنّ "ترانزيت" إدانة للحرب عامة، بغضّ النظر عن المكان والزمان. كتبه السيناريست ياسر موسى، من خلال أضابير الموتى المنتشرة في كل مكان، في قسم الإحصاء، وإمكانية الحصول على ملايين الملفات الخاصة بالذين غادروا الحياه من دون ذنب، سوى أنّهم أناس عزّل، ينتمون إلى هوية أخرى. تمّ بناء المكان بهذه الهيكلية، مع مُصمّم الديكورات والمكياج بشار فليح. الدور الأساسي للممثل السينمائي أسعد عبد المجيد.
فكرة الفيلم مرتكزة على يعقوب، الموظّف في قسم الإحصاء في مشفى. يردّ على اتصالات ذوي الضحايا، الذين يسألون عن مفقوديهم. بين حين وآخر، يقلق من اتصال يُثير الريبة فيه. مواضيع أفلامي كلّها مأخوذة من الواقع الذي نعيشه، أي الحروب التي أهلكت شعوب العالم. في "ترانزيت"، أريد القول إنّ ضحايا الحرب لا يُعدّون ولا يُحصون، والأيام المقبلة ربما لن يكون فيها من يدفن جثامين الضحايا. رسالتي أنْ نوقف هذه الحروب.
أسلوبي الإخراجي الذي أعتمده في أفلامي يكمن في أنْ أعطي للمكان أهمية، وأنْ يكون جزءٌ مهمّ فيها للصورة والبعد الدرامي، كي نلمس غرابة المكان المغلق، الذي يحسّ به المشاهد من أول لقطة. اضطررت إلى تمديد أيام التصوير، على أنْ يكون التصوير في مكان حقيقي، في قسم الإحصاء في أكبر مشفى في العراق، تقريباً، لأجوائه الحقيقية والجمالية.

في معظم أفلامك، هيمن الإرهاب والحرب على مواضيعها. هل فكّرت بأفلامٍ تخرج من هذا الإطار، إلى الحياة وتفاصيلها؟

كما تعلم، نحن جيل مولود في الحرب، وعاشها بتفاصيلها، وإلى الآن. لا يخفى أنّ العالم حالياً مُنشغلٌ بالحرب والأزمات الاقتصادية والتضخم الذي أثّر على البلدان عامة، والمواطنين خاصة، من ارتفاع حاد في أسعار الطاقة والغذاء، بسبب الحكومات التي لا تفكر في مصلحة الفرد والشعوب، بل في الاقتتال وفرض الهيبة. غير معقول أنْ أصنع فيلماً رومانسياً ونحن في حالة اقتتال دائم، أو فيلماً كوميدياً والصواريخ والانفجارات تحيط بنا من كل جانب. لستُ سوداوياً إلى هذا الحدّ، بل هذه الحقيقة. أتوقّف عن صنع مواضيع كهذه، عندما تنطلق آخر رصاصة في العالم.

تعمل كمخرج في محطة فضائية منذ زمن غير قصير. ما تأثير ذلك على مسيرتك كمخرج أفلام؟ هل يعيق الانشغال في هذا المجال عملك كمخرج؟

أعمل في قنوات فضائية منذ عام 2009، وفي مجموعة قنوات كربلاء منذ عام 2012. بالتأكيد، هذه تجربة أضافت إليّ الكثير، بصفتي مخرج أفلامٍ، لأن العمل المتواصل، وتراكم الخبرات في أيّ عمل فني، يصبّان في مصلحة فكرية وعملية ومعرفية للكَمّ الهائل من تنوّع الأعمال التلفزيونية والسينمائية.

لفت "البنفسجية" اهتمام النقّاد والجمهور، وحقّق إنجازات سينمائية عدّة. ما سبب ذلك برأيك؟

لأنّ العناصر السينمائية الرئيسية لصنع فيلم مكتملة. المخرج مسؤول عن إكمال هذه اللوحة التشكيلية، وتوظيف العناصر المذكورة بحيث يكون كلّ منها في مكانه الصحيح، ويُقدَّم بشكل جمالي. هكذا يحصل الفيلم على نجاحٍ كبير، من دون شَكّ. الجمهور أصبح اليوم يميل إلى الأفلام البسيطة فكرياً، القريبة من الواقع. لكنْ، بنظري، يجب أنْ تُقدَّم بطريقة حالمة، كي يُصبح الفيلم حقيقياً، لا مباشراً.

هل فكّرت في فيلمٍ روائي طويل، خاصة بعد أفلام قصيرة ناجحة؟

أنجزتُ أفلاماً روائية قصيرة منذ عام 2009، كـ"همسات الشياطين" و"الجانب الآخر" و"صورة" و"البنفسجية"، وآخرها "ترانزيت". صُنْعُ فيلمٍ طويل في العراق ليس سهلاً، إنتاجياً. الآن، أطوّرُ كتابة فيلمي الطويل الأول مع كاتب سينمائي شابّ، على أنْ يكتمل السيناريو في نهاية عام 2023.

أغلب المخرجين العراقيين يعانون مشكلة الإنتاج والتمويل. ما الحلول المناسبة برأيك؟

من المشكلات المهمّة التي تعانيها السينما عدم وجود جهات إنتاج ودعم حكومي واضح. ورغم هذه العراقيل الإنتاجية، قدّمنا أفلاماً نالت جوائز مهمة في مهرجانات مختلفة، كبرلين ومالمو ووهران. بعض تلك الأفلام نافست أفلاماً أجنبية بقوّة. السينما وسيلة اتصال بالشعوب، ووسيلة اتصال جماهيري عبر ما يُقدّم من صناعة. بالتالي، معظم المخرجين الذين تُقبَل أفلامهم في دول عربية وأجنبية لم تكتمل إجراءات سفرهم. هذا حصل لي، إذْ عانيتُ كثيراً بسبب الإجراءات، بعد قبول الفيلم في سوق مهرجان كانّ السينمائي، وفي أكثر من 25 دولة، لكنْ لم تُنجز التأشيرة بسبب عدم وجود سفارات للبلدان الأجنبية في العراق، وعرقلة الإجراءات للمخرجين من القنصليات، رغم وجود دعوات وتذاكر طيران. هذا يؤثّر سلباً على إنجاز الأفلام، لأن حضور المخرج في المهرجانات مهمٌ وضروري. تخيّل أنّ هذه الأفلام تُدعم من الدائرة، ويكون هناك نتاج سنوي كبير، يُساهم في تحريك العجلة السينمائية، فنكون من الدول المتقدمة في إنتاج أفلام ذات جودة عالية، بكل مقاييس اللغة السينمائية.
بالنسبة إليّ، أقدّم في كل دعوة من دائرة السينما والمسرح نصّاً، وذلك منذ عام 2013، وبداية مشاريع "بغداد عاصمة الثقافة"، وإلى الآن، ولم يُنتَج لي أيّ فيلم. تمول الأفلام بحسب المعارف والعلاقات، لا بفضل سيناريوهات جيّدة ومهنية، ولا بسبب خبرة المخرج في السينما. هذه مشكلة أزلية. لذا، يجب أنْ تكون هناك وقفة جدّية من دائرة السينما والمسرح، سعياً إلى استحداث صندوق دعم لإنتاج الأفلام العراقية بشكل دوري، تُخصّص له ميزانية مالية، وتكون هناك لجنة متخصصة من نقّاد ومخرجين عراقيين، تجهد في عودة الروح إلى السينما العراقية.

كيف تقرأ المشهد السينمائي العراقي الآن؟

المشهد السينمائي في العراق بطيء جداً، مُقارنة بالدول المجاورة. لا أسس ولا ملامح ولا استراتيجية جدّية لرفع مستوى صناعة السينما. هناك شباب أبطال، سينمائيون حقيقيون يعشقون السينما بشغف، ويعملون بمفردهم، ويشاركون هنا وهناك، ويجهدون لمُشاركة العراق في مهرجانات عالمية من دون مقابل، ومن دون دعم أيّ جهة، كما فعلتُ عام 2012 بإنتاج فيلمٍ لي، بعد بيعي حاسوبي الشخصي، لإكمال كلفة إنتاجه.

المساهمون