مع "باثان" (2023، 146 دقيقة) لسيدهارث أناند (1978)، تكون العودة "حقيقية" للنجم والممثل شاروخان (1965)، بعد آخر فيلم له، "ديلويل" (2015)، رفقة نجمته المُفضّلة كاجول. فهما اشتهرا معاً بأفلامهما منذ عام 1995، وأبرزها "العاشق المجنون"، الذي وضع الأساس الفني لسيرة الممثل في عالم بوليوود. قصّة حبّ بسيطة، تتحدّى الصداقات والأعراف والتقاليد والصعوبات العائلية، وتحاول في خطٍ سردي طويل نقد الأعراف الأبوية في مجتمع هندي، يبدو مع مرور الوقت أنّه لا يتغيّر. عندما عُرض الفيلم في الدار البيضاء والرباط وفاس، خرج الجميع من الصالات يبحثون له عن حبيبةٍ مُتخيّلة، يستعيد معها بعض تفاصيل الفيلم وموسيقاه.
منذ ذلك الفيلم، صنع صاحب "فان" (2016) سيرة سينمائية مميّزة، أصبح بمُقتضاها نوعاً من إلهٍ للسينما الهندية، كما قالت ممثلات هنديات. ففي نحو 30 سنة، ظلّ شاروخان يتجدّد من تلقاء نفسه، من دورٍ إلى آخر، ويرسم لنفسه أفقاً سينمائياً جديداً. قدّم له المخرج الراحل ياش شوبرا (1932 ـ 2012) أهمّ الأدوار السينمائية، فجعله ممثلاً محبوباً في بوليوود، رغم أنّه كان على قدرٍ كبير من المسؤولية تجاه أفلام شوبرا. لم يفشل الممثل في أداء أدواره، بل تقدّم إلى الأمام.
نجماتٌ كثيرات يتسابقن على مشاركته أدوار البطولة، فيُصبحن منذ اللقطة الأولى شهيرات في بوليوود. بعد آخر فيلم لشوبرا معه، "جاب تاك هي جان" (2012)، فُتحت للممثل إمكانيات تعاونٍ مع مخرجين جدد، فاستفاد من وجوهٍ نسائية للثنائيات البطولية، فبات يؤدّي أدوار البطولة مع ممثلات غير معروفات، كبديل عن وجوه أخرى مُكرّسة، أمثال: كارينا كابور وكاجول وبريتي زينتا وكاترينا كييف، وغيرهنّ من اللواتي عملن على صناعة السينما الهندية في متخيّل الناس ووجدانهم.
الفيلم الجديد (باثان) حطّم مقاييس الصناعة السينمائية في بوليوود. لا يوجد فيلم هندي في تاريخ البلد عَمّر طويلاً في الصالات السينمائية، إلى درجةٍ إقامة عروض ما بعد منتصف الليل، ليُستوعَب عدد الناس الذين حصلوا على تذاكر دخول. مشاهد تنقلها الصحافة الهندية، ونظيرتها البريطانية، لهنود كثر أمام الصالات، ينتظرون مُشاهدة الفيلم، رغم أنّه عاديّ وبسيط، ولا يخرج بمُجمله عن أفلام الحركة، التي عودتنا عليها السينما الهندية. فيه، ارتفعت حدّة المؤثّرات البصريّة، وكثر فيها نوعٌ من الحركة المُبالغ فيها.
يحاول "باثان"، عبر نصّه (سيناريو سيدهارث أناند نفسه)، التماهي مع نصوص أميركية متشابهة: عميل تنفيه الاستخبارات الهندية، يتّحد مع عميلة استخبارات باكستانية للقضاء على عميل آخر مُنشقّ عن المخابرات الهندية، ويجهد في نشر فيروس قاتل في الهند.
بهذه الوصفة الجاهزة، التي تُذكّر بالأجزاء الأخيرة من أفلام دانيال كريغ في "جيمس بوند"، حاول سيدهارت أناند خلق نوع من توليفٍ بصريّ، مُتماهٍ مع مصادر بصريّة غربية، لكنْ مع إضفاء مسحةٍ جماليّة هندية عبر الأحداث والفضاءات والأغاني والموسيقى والرقص.
يستغرب المرء كيف أحبّ الناس "باثان"، وكيف حصل على أكبر عائدات العروض الأولى في تاريخ السينما الهندية. تُرى، لو لم يكن شاروخان بطله، هل كان سيحصل على النجاح نفسه؟ ما حدود التقاطع والتلاقي بين التجاري والسينمائي في الفيلم؟ أسئلة كهذه، وغيرها، تهزّ المُتلقّي لحظة المُشاهدة، وتدفعه إلى طرح أسئلة عنه، وهو يعرف مُسبقاً النجاح الباهر الذي حقّقه، ويدري في قرارة نفسه أنّه لا يستحقّ كلّ هذا التطبيل العالمي. "اللاشيء" يغدو شيئاً في السينما الهندية، فما يصنع مجد أفلام بوليوود ليس النصّ والإخراج والمونتاج والأغنية، بل بطل أيقونيّ معروف في الهند، لتمكّنه من جذب أكبر عددٍ من المشاهدين.
هذا يُفسّر سبب إقبال المخرجين على شاروخان، لأنّهم يعرفون أنّه مشروع مُربح، يُتيح للمخرج والسيناريست والمُنتج شهرة واسعة في الهند وخارجها. اقتناص مَشاهد حركة، وإعادة تدوير نصّ غربيّ، ومحاولة خلق تماهٍ بصريّ معه بالصُوَر والعلامات، غير مقبول سينمائياً، لأنّه بحدّ ذاته ضد السينما، ويُساهم في تقزيم جرأة الإبداع وحدوده اللامتناهية في الصورة، فالشاشة الكبيرة فنّ تحقيق المستحيلات والممكنات.