المغرب يحاول حماية القاصرين من الاستغلال الرقمي

28 ديسمبر 2024
في مدينة الجديدة المغربية، 10 يناير 2013 (راكيل ماريا كاربونيل باغولا/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قدم حزب التقدم والاشتراكية في المغرب مقترح قانون لتحديد السن القانونية الرقمية عند 16 عاماً، بهدف تعزيز الحماية القانونية للأطفال في البيئة الرقمية، مستنداً إلى تجارب دولية ومعايير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

- أظهرت دراسة أن 80% من الأطفال والشباب في المغرب يستخدمون الإنترنت، و70% منهم يلجون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، مما يعرضهم لمخاطر مثل اضطرابات النوم والتحرش السيبراني. أوصى المجلس بتحديد سن الرُشد الرقمية وإدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية.

- يعتبر مقترح القانون مبادرة هامة لحماية الأطفال من انتهاك الخصوصية، داعياً إلى تحميل المسؤوليات للمقاولات التكنولوجية وتوعية المجتمع بطرق الحماية.

تتركز الأنظار في المغرب على مجلس النواب (الغرفة الأولى)، في انتظار موقف الحكومة من مقترح قانون تقدم به فريق "التقدم والاشتراكية" المعارض، هدفه تعزيز الحماية القانونية للأطفال في البيئة الرقمية من أخطار استغلال معطياتهم الشخصية، والتنمر الإلكتروني، والتعرض للمحتوى غير اللائق.

ففي سابقة في تاريخ البلاد، قدم الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية، خلال الأسبوع الحالي، مقترح قانون يرمي إلى تحديد السن القانونية الرقمية التي تسمح للأطفال بالولوج إلى منصات التواصل الاجتماعي، مؤكداً أنه على الرغم من بعض الإشكاليات الموضوعية والعملية التي قد تشكلها هذه الخطوة، فإنه "أصبح لزاماً على بلادنا أن تخطو نحو تقنين هذه الإجراءات واتخاذ تدابير تقييدية لهذه المنصات والشبكات".

ولتحقيق هذا الهدف، يقترح الفريق منع الأشخاص دون 16 عاماً من إنشاء حسابات على منصات التواصل الاجتماعي دون موافقة الوالدين أو أولياء الأمور. ويشدد واضعو مقترح القانون على أن من شأن تحديد سن قانونية للولوج إلى المنصات والخدمات الرقمية تعزيز المسؤولية الرقمية لدى الأطفال، وتشجيعهم على استعمال معطياتهم الشخصية بوعي وحذر. ويرون أن "من بين أكثر الحقوق التي أصبحت مستباحة وتنتهك بشكل مريب تلك الحقوق المتعلقة بمعطياتهم (القاصرين) الشخصية، وما تنطوي عليه من انتهاك صارخ لخصوصيتهم الرقمية، والتي تمتد إلى كل أشكال العنف والنصب والاحتيال والاستغلال، في ظل التطور التكنولوجي الهائل والانتشار الواسع لوسائل الإعلام والتواصل التي لم تعد تعرف حدوداً ولا خطوطاً حمراء".

ويطالب المقترح المسؤولين عن معالجة المعطيات باعتماد إجراءات تضمن احترام هذه الشروط تحت مراقبة اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. ويدعم المقترح تطبيق القانون من خلال مهام اللجنة الوطنية في الإخبار والتوعية والمراقبة، كما يهدف أساساً إلى تحديث القانون رقم 09.08 الذي وضع قبل أكثر من 14 سنة، لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة وتعزيز حماية معطيات الأطفال الشخصية.

وبحسب رئيس الفريق النيابي لـ"التقدم والاشتراكية"، محمد حموني، فإن مقترح القانون يروم إيجاد آلية قانونية لحماية الأطفال من الاستغلال، والحد من الانتهاكات المتعلقة بخصوصيتهم الرقمية، وضمان بيئة آمنة أثناء استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، إذ يلزم المنصات الرقمية بالحصول على موافقة صريحة من أولياء الأمور عند معالجة معطيات الأشخاص دون السن القانونية الرقمية، لافتاً إلى أن تحديد السن عند 16 سنة يتناسب مع السياق المغربي ومع التحولات الرقمية المتسارعة. ويوضح حموني، في حديث مع " العربي الجديد"، أن المقترح استند إلى تجارب دولية، إذ تتراوح السن القانونية الرقمية بين 13 و16 سنة في دول مثل ألمانيا وأيرلندا والصين، وكذلك إلى رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أصدر تقريراً أخيراً، دعا فيه إلى تحديث التشريعات الوطنية وفقاً للمعايير الدولية، مع التركيز على تحديد السن القانونية الرقمية للأطفال.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية) قد كشف، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن معطيات مقلقة بشأن ارتفاع حالات تعرّض الأطفال المغاربة الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لاضطرابات النوم، ودخولهم في نزاعات مع الأسرة والأصدقاء، فضلاً عن وقوعهم ضحايا للتحرش السيبراني ورسائل مهينة على الإنترنت. وأوصى حينها بتحديد سن الرُشد الرقمية، وإدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية في سن مبكرة، مع تشديد الرقابة من قبل الوالدين.

واستند المجلس، في رأيه، إلى بحث أجري أخيراً على 1293 مغربياً أعمارهم بين 8 و28 عاماً، وبيّن أن "80% من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الإنترنت، و70% منهم يلجون إلى شبكات التواصل الاجتماعي". وأفاد البحث بأن 43% من هذه العينة يعانون من اضطرابات النوم ويهملون هذه الحاجة الأساسية، بالإضافة إلى الأكل، بينما دخل 35.6% في نزاعات مع اُسرهم أو أصدقائهم، فيما عانى 41,5% منهم تعثراً في نتائجهم الدراسية. وعدّ المجلس أن "الأخطر من ذلك أن ثلث هؤلاء الشباب صرحوا بتعرضهم للتحرش السيبراني"، مبرزاً أن من تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة هم الأكثر تعرضا لهذا النوع من العنف، إذ يمثلون 59% من حالات التبليغ بـ"منصة فضاء مغرب الثقة السيبرانية"، يليهم البالغون من 26 سنة فأكثر بـ28.40% من التبليغات، "أما المراهقون ما بين 13 و17 سنة، والأطفال من 5 إلى 12 سنة، وحتى وإن كان عددهم أقل بكثير، فهم أيضاً عرضة لهذه التهديدات".

وفي مؤشرات تدق ناقوس الخطر بشأن ارتفاع احتمال تعرض نسبة مهمة من الأطفال والشباب لمخاطر مرتبطة بالاستغلال الإجرامي للمعطيات الشخصية، على غرار الاحتيال والنصب والقرصنة وسرقة الهوية، أظهرت المعطيات التي استند إليها رأي المجلس أن 40% من هؤلاء يشاركون معطياتهم الشخصية مع أشخاص لا يعرفونهم، و40% منهم كذلك لا يعرفون كيفية تغيير إعدادات الخصوصية، بينما 30% لا يعرفون التمييز بين ما يمكن تقاسمه وما لا يمكن".

من جهته، يعتبر رئيس جمعية "منتدى الطفولة" غير الحكومية، عبد العالي الرامي، أن طرح مقترح القانون "مبادرة طيبة لحماية حياة الأطفال والمراهقين وانتهاك خصوصياتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بعد الطفرة الكبيرة في المجال الإلكتروني"، ويرى أنه "أصبح من الواجب على الحكومة السعي نحو توفير بيئة رقمية دامجة تحمي المجتمع والأطفال من الاستغلال وانتهاك الخصوصية". ويقول الرامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن طرح مقترح القانون "مناسبة لتحميل المسؤوليات للمقاولات التكنولوجية والمتعهدين في مجال الاتصالات، وتحديد القواعد المؤطرة لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي من طرف الأطفال، مع السعي لتوعية المجتمع والأطفال وأولياء الأمور بطرق الحماية والتعامل مع وسائط التواصل الاجتماعي". ويؤكد الحاجة إلى تطبيقات ضرورية لحماية النشء من التحرش والتنمر الإلكتروني، والتعرض لمحتوى غير لائق، وغيرها من التهديدات.

المساهمون