المعجزة البشرية

08 يوليو 2021
تعمل أجسامنا بذكاء الحواسيب الآلية العملاقة (Getty)
+ الخط -

لا شك أنّ الجسد البشري يمثل أكثر من غيره معجزة في الكمال؛ فهو يعمل مثل الساعات الدقيقة والآلات الميكانيكية الضخمة. ينبض مثل الكهرباء وشبكات الاتصالات والألياف البصرية، ويعالج العمليات من حوله وفي داخله، بذكاء الحواسيب الآلية العملاقة، وعالم الإنترنت المتشابك المعقد. إنّه عوالم مترابطة من المركزية والإدارة الذاتية والاقتصاد، وأخرى من طبقات الأرض ورحابة الفضاء.

والأحرى أن نقول إنّ هذه العوالم والعلوم والتطبيقات التقنية، مصنوعة على مثال الجسد البشري، كما نحن مصنوعون، بحسب الأديان والعقائد والأساطير، على صورة الخالق، أو على مثال الآلهة أو منها. فالجسد سابق على العلوم وتقدُّمها، وعلى الاختراعات اللاحقة، وليس العكس.

تكشف سلسلة الأفلام التلفزيونية الأميركية "الجسد البشري: نظرة من الداخل" Human: The World Within (نتفليكس)، إعجاز الأجهزة البيولوجية التي تجعل منا بشراً باختيار سلس لموضوعاتها، وإخراج مدهش للشواهد والحكايات والصور المتحركة. 

في الحلقة الأولى، وهي عن الجهاز العصبي الذي "يستوعب العالم حولك ويخبرك بكيفية التفاعل معه، أنه يجعلك تتخذ كل تلك القرارات بسرعة البرق، كما أنّه ينتج الأحاسيس والأفكار والذكريات. إنّه آلة مذهلة لا تكف عن التفاعل، وترسل إشارات بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة". تشرح الحلقة آلية عمل الدماغ؛ حيث 100 مليار عصبون داخله، وهو معالج بيانات تنقلها شبكة هائلة من الأعصاب والألياف التي تعمل بتناسق مذهل لتحويل البيانات إلى أفعال. تبدأ الحلقة من قصة الملاكِمة إيمان جيمس. لماذا الملاكمة؟ "لأنّها رياضة تتحدّى جهازك العصبي؛ ففي جزء من الثانية عليك استيعاب تحركات خصمك". ثم ننتقل إلى بورتوريكو، حيث  نشاهد حكاية أم تواجه إعصار ماريا عام 2017، مع فتاتيها، وكيف استطاعت تجاوز الخوف الذي كاد يشلّ حركتها. المسؤول عن غريزة الخوف، هي اللوزة الدماغية، طولها 2.5 سنتم. نتابع بعدها قصة مهندس أبراج اتصالات كشاهد على أهمية العمود الفقري والنخاع الشوكي. وأخيراً، ترصد الحلقة قصة رجل من ميامي فقد ذراعه بحادث، والآن يستخدم ذراعاً آلية تملك أجهزة إحساس. الأولى من نوعها، تتحرك وتشعر بما يلمسه.

الحلقة الثانية تتناول القلب ونبضه وهمومه العاطفية، وعمله الدؤوب لضمان تدفق الدم عبر آلاف الكيلومترات من الشرايين والأوردة التي تضمن نقل الأوكسجين (الوقود) إلى نحو 37 تريليون خلية، لتبقى حية، ثم يخلصها من ثاني أوكسيد الكربون (الفضلات). يمكن أن يعيش الإنسان نحو سبعة أسابيع من دون طعام، وثلاثة أيام من دون ماء. لكنّه من دون الأوكسجين، لن يصمد أكثر من ثلاث دقائق، ولذا يقوم الجهاز الدموي بقطع مسافة قرابة 19 ألف و500 كلم يومياً، ويبلغ طول هذه الشبكة من الأوردة والشرايين ما يمكنه من الالتفاف حول الكرة الأرضية أربع مرات. تبدأ الحلقة من حكاية متسلقة جبال، لأنّ هناك صعوبة بالحصول على الأوكسجين كلما ارتفعنا عن سطح البحر، ثم نشاهد قصة سائق حافلة يغير مهنته من أجل الحركة والرياضة للتعافي من أزمته القلبية، ونرصد قصة نقل دم لسيدة حامل من قرية نائية في غانا. 

موقف
التحديثات الحية

من الحلقات المتميزة حلقة "الدفاع" التي تتناول الجهاز المناعي: "إنّه جيش متخصص هائل وغير مرئي وموجود في كلّ الجسد. ولا يتوقف عن الحركة. ومهمته التكيف مع المتغيرات والدفاع عن الجسم ضد التهديدات، سواء من الكائنات التي تعيش على كوكبنا، أو من أعداء جدد". تشرح الحلقة، عبر قصة مكتشفة للحياة البرية، قدرة الجلد الذي يحوي الملايين من الخلايا المناعية (خط الدفاع الأول) على منع الأشعة الضارة والأجسام الغريبة والبكتريا من دخول أجسادنا. تحت الجلد طبقة أخرى أسمك منه بعشرين مرة، تقوم باستنفار الكريات البيض في حال نجاح جسم غريب باختراق الخط الأول. تفرد الحلقة وقتاً للحديث عن خطورة الفيروسات التي تكونت قبل مليارات السنين، ونرى قصة طبيبة من نيجيريا نجت من فيروس إيبولا عام 2014. ورغم خطورة الفيروسات، وآخرها كورونا، فإنّ هناك أخطاراً أكبر تتربص بنا داخل خلايانا، كما في حالة السرطان، والشاهد هنا شاب تعافى من السرطان ثلاث مرات.

دلالات
المساهمون