المسلسلات على منصات البثّ... كأنّه فيلم بعشر حلقات

16 أكتوبر 2020
مع أسلوب الكتابة الدرامية الجديد، أصبحت النهايات أكثر ميوعة (Getty)
+ الخط -

لم نعتد منذ فترة طويلة أن نشاهد في نهاية حلقة مسلسل ملخصاً عن الحلقة المقبلة، هذه المشاهد التي تبشرنا بما سيحصل لاحقاً، وتتسلل إلى الإعلانات الترويجيّة بين كل حلقة وأخرى أسبوعياً مهددة بالتلاشي، بسبب أسلوب المشاهدة الحاليّ المسمّى بالـ binge watching، أي أن نشاهد المسلسل بأكمله في "جلسة" واحدة.

هذا الأسلوب من المشاهدة الذي سببه بث أغلبية المسلسلات بأكملها على منصات المشاهدة، لا تباعاً على مدار أشهر أو أسابيع، أعاد تشكيل أسلوب الكتابة التلفزيونية، تلك التي كانت تعتمد على cliffhangers، ليصبح الأمر وكأننا نشاهد فيلماً طويلاً لمدة عشر ساعات، من دون التشويق الناتج عن الانتظار لمعرفة ما سيحدث في الحلقة المقبلة.

أول أثر للمشاهدة من هذا النوع أنها هددت مفهوم الدوريّة، فن الكتابة التلفزيونيّة أساسه تعاقب الحلقات، حكاية أو حكايات تروى على مراحل متعددة، وفي نهاية كل حلقة/ حكاية لا بد من حدث ما، أو دليل أو معرفة جديدة تدفعنا للتعلق بالمسلسل أو البرنامج، وهي الـcliffhangers، في ذات الوقت لا بد لكل حكاية من أن تنتهي خلال حلقة كي نشعر بالرضا وبمتعة تتبع الحكاية.

مع أسلوب الكتابة الجديد، أصبحت النهايات أكثر ميوعة، يمكن لحلقة بأكملها أن نكتشف إثرها عوالم الشخصيات بعمق، من دون أن يساهم ذلك فعلاً بدفع الحكاية التي تحويها الحلقة

لكن مع أسلوب الكتابة الجديد، أصبحت النهايات أكثر ميوعة، يمكن لحلقة بأكملها أن نكتشف إثرها عوالم الشخصيات بعمق، من دون أن يساهم ذلك فعلاً بدفع الحكاية التي تحويها الحلقة، أو مجرد الاستخفاف بها، بحيث يكون اكتشاف هذه الشخصية أهم من الحكاية الفرعية كونها ستبقى معنا طوال المسلسل ربما، فلا داعي للتعلق أو بناء الوعود المستقبلية، كون الحلقة التالية ستبدأ أوتوماتيكيّاً. نلاحظ هذا الأثر أيضاً حين نشاهد المسلسلات القديمة التي نحب على منصات النشر. مثلاً، مسلسل NIP/TUCK الذي حازت أمازون برايم على حقوق نشره، مليء بالأحداث.

في كل حلقة محاولات قتل وجروح وكثافة للزمن. كل هذه العوالم تجعل الشخصيات غير حقيقية، من يطلق عليه النار في الحلقة الثالثة مثلاً يشفى بشكل عجائبي في الحلقة الرابعة، أي أن الفجوات الزمنية بين الأحداث أوسع، وذلك من أجل دفع الأحداث واختلاق مغامرات وعقبات جديدة، من دون الغوص في مدى حقيقة ما تمر به الشخصيات من ألم، فهي لا تشفى بسرعة فقط، بل أيضاً تنسى بسرعة بسبب فجوات الزمن، بعكس مثلاً مسلسل The Politician لذات مبدع مسلسل NIP/TUCK راين مورفي. ففي السياسي الزمن حقيقي؛ أي يتدفق بصورة تتطابق مع زمن المشاهدة، النسيان والشفاء لا يتلاشى فجأة، بل يبقى عاملاً حاضراً في الشخصيات حتى نهاية المسلسل.

الإيقاع في الكتابة أيضاً اختلف، ونقصد هنا أن كل حدث لا ينتهي بمجرد حدوثه، بل يمتد على طوال المسلسل، ليس الحلقة فقط، ولا يظهر كانعطافه في الحبكة أو مفاجأة، بل كجزء عضوي من الأحداث العامة، التي تتقاطع وتستمر، أي تم التخفيف من الانعطافات الميلودراميّة التي يسخر منها المشاهد والتي تتجلّى في مسلسلات الـ soap opera، كأن يكون فلان سراً ابن فلان، فجأة، ما يغير كل شيء.

هناك إيقاع يجعل من المفاجأة حدثاً لا يقلب كل الإيقاع، بل يستمر ضمن التدفق الطبيعي للزمن. لكن هناك تهديداً للكتابة وللصناعة نفسها يرتبط بالإعلان، الذي يحدد زمنه قبل الشروع في الكتابة، وعلى أساسه يتم تقسيم الأحداث والفواصل، وأين يجب أن ينتهي الحدث أو الجملة من أجل الإعلان، وكيف سيستعاد الإيقاع بعدها.

 لكن غياب "الإعلان" والمشاهدة الطويلة قد يفعّلان الملل، ما يعني أن هناك تحدّي جذب الانتباه، والذي لا يمكن التنبؤ به، خصوصاً أن الانتباه الآن هو محط صراع كل وسائط التواصل ومنصات

المساهمون