المدرسة الرشدية... معلَم عثماني على ضفاف فرات العراق

21 ديسمبر 2021
الباحث عباس محسن الجبوري: بدأ الدوام في المدرسة عام 1907 (العربي الجديد)
+ الخط -

على مقربةٍ من أحد أشهر جسور جنوبي العراق فوق نهر الفرات، والذي ارتبط بأغنية المطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي "على جسر المسيب سيبوني"، يواصل أحد أبرز المعالم القديمة للحقبة العثمانية في العراق مكافحته البقاء أمام الإهمال، حيث تتوسط الحي البابلي المدرسة الرشدية التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثامن عشر، وهي من المدارس القلائل التي شيدت في العهد العثماني وما زالت معالمها شاخصة حتى الآن.

بناءٌ مربّع ضخم ينزل عن الأرض بمسافة ثلاث درجات، يزدحم بالطابوق القديم والصفوف المتربة، بينما يمكن تخيّل وجوه الطلاب الذين كانوا يتجولون فيها لعقود طويلة، قبل أن يطوي الزمن آخر فصولها، لكن ثمة يافطة مركونة على أحد الجدران تعلن أنها مدرسة الرشدية التي أخرجت من بين جدرانها قادة ومفكرين ورجال دولة كثرا خدموا الدولة العراقية في القرن الماضي.

يقول الباحث الآثاري، حسين العبودي، إن هذه البناية شيّدت على أرضٍ تعود إلى شخص عثماني اسمه سلطان أغا، وكانت عبارة عن إسطبل للخيل ومكان استراحة ومبيت للمسافرين، وكان يطلق عليه "مسافر خانة"، وفيها محال للتبضُّع والتجارة. ولا يعرف تأريخ بنائها بالشكل الدقيق، ويعتقد أنَّها شيدت عام 1884، وهو تاريخ تأسيس مدينة المسيب، أي في عهد المتصرّف محمد رشيد باشا.

ويشير العبودي إلى أنَّ مالكها تبرّع بها من دون مقابل لبناء مدرسة بدلاً عن "مسافر خانة"، بالتزامن مع توجه الدولة العثمانية إلى إنشاء المدارس ودور المعرفة سنة 1869، حين كان النظام ينصُّ على إقامة مدرسة في كلّ قرية يزيد عدد دورها على 500 منزل، وحدّدت مدّة الدراسة فيها بأربع سنوات.

وينوّه إلى أن التسمية تحتمل أمرين: الأوَّل نسبة إلى الوالي العثماني محمد رشاد، وكانت كربلاء في حينها يطلق عليها اسم "لواء كربلاء" وفيها مدرسة مماثلة أيضاً، ويطلق عليها الرشدية كذلك، وكانت مدينة المسيب واحدة من النواحي التابعة إلى لواء كربلاء قبل إلحاقها بمحافظة بابل. والتفسير الثاني في سبب التسمية، أنها نسبة إلى مرحلة الرُشد التي تعادل المرحلة المتوسطة في الوقت الحاضر. مؤكّداً أن المدرسة استغلّت في فترةٍ لاحقة كدائرة حكومية، بدليل العثور على لوح مستطيل الشكل على باب أحد الغرف عليه كتابة بالإنكليزية "رسام الدائرة".

من جانبه، يقول الباحث عباس محسن الجبوري، وهو من أهالي مدينة المسيب التي تقع على بعد نحو 35 كيلومترا غربي كربلاء و70 كيلومتراً جنوب بغداد، إنَّ المدرسة يمكن الوصول إليها بالدخول بمحاذاة نهر الفرات، عبر أزقة في حي الشيوخ حيث تقع المدرسة. ويذكر أن الدوام بوشر فيها منذ عام 1907 حتّى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914، إذ أغلقت المدرسة حتى نهاية الحرب عام 1918، ثم فتحت أبوابها من جديد بشكلٍ متقطّع، وأعلن عنها أنها مدرسة رسمياً عام 1921، بعد الاحتلال الإنكليزي وتغيير اسمها من المدرسة الرشدية إلى مدرسة المسيب الابتدائية، بإدارة مديرها شاكر الموصلي، ومن معلميها كامل الخطيب وقاسم محمد وأمين الخضار. وكان للمدرسة حضور علمي، لكنه يؤكد أيضاً أن أوّل مديرة للمدرسة بعد تحولها إلى مدرسة مختلطة كانت مربية الملك فيصل الثاني واسمها زبيدة.

ويضيف الجبوري عن البناء أن بابها لا يزال باباً تراثياً خشبياً زيّن بنقوش قديمة، يعلو الباب مثلث كبير بني من الآجر يحتوي بداخله زخارف بارزة على شكل نجوم وهلال، وأشكال نباتية. والمدرسة مربعة الشكل بمساحة 420 متراً مربعاً، تتكون من طابقين، بنيت من الآجر واللبن والطين، ومن أعمدة مصنوعة من الخشب تعتليها تيجان. ويبين أن الطابق الأرضي بنيت فيه صفوف متراصّة، فرشت سطوحها بالحصير والقصب مع الطين، مع وجود غرفة للمغاسل. ويتوسّط المدرسة حوض ماء، وفيها سلّم بني من الآجر يصعد عليه إلى الطابق الثاني حيث يوجد أربعة صفوف، وهذه الصفوف تشرف على الفناء الداخلي للمدرسة.

ويشير أحد جيران المدرسة، نوفل العلوش، إلى أن الأطلال لم تزل باقية إلى يومنا الحاضر، ويؤكد أن كبار السن أخبروه بأن جميع طلبتها كانوا من أبناء موظفي الدولة أو المرتبطين بها، بعدما كان الأهالي يلجأون إلى الدراسة لدى الكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة.

المساهمون