المال والسياسة يهدّدان القنوات الجزائرية

07 فبراير 2021
استقبل التلفزيون الجزائري صحافيين صُرفوا من قنوات أوقفت بثها (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد أشهر من توقيف برامجها والاستمرار في البث عبر برامج معروضة سابقاً، أغلقت قناة "نوميديا نيوز"، المملوكة لرجل الأعمال الجزائري المسجون بتهم تتعلق "بالفساد وتبييض الأموال" محيي الدين طحكوت، أبوابها نهائياً يوم الخميس الماضي، بعد سبع سنوات من إطلاقها.

وكانت "نوميديا نيوز" قد سرّحت العشرات من الصحافيين والمصورين والموظفين قبل أشهر، من دون منحهم حقوقهم المادية كاملة، بسبب متاعبها المالية جرّاء تجميد السلطات القضائية حسابات مالك القناة وممولها، رجل الأعمال محيي الدين طحكوت الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 16 عاماً، بأمر من محكمة في العاصمة الجزائرية، وصودرت أصول وحسابات مصرفية تابعة لعائلته، بتهم تتعلق بالفساد وتبييض الأموال والاستفادة من امتيازات المسؤولين في نظام عبد العزيز بوتفليقة.

وقبل "نوميديا نيوز"، أغلقت قنوات بينها "دزاير" و"دزاير نيوز" المملوكة لرجل أعمال في السجن أيضاً على ذمة قضايا فساد مماثلة، وسرّحت عشرات الصحافيين والمصورين، استوعب التلفزيون الرسمي جزءاً منهم بعد توسع قنواته وشبكة بثّه. كذلك أوقفت قنوات أخرى بثها بسبب نقص التمويل والإشهار العمومي (حصتها من الإعلانات الرسمية).

قنوات جزائرية عدة، آخرها "نوميديا نيوز"، أقفلت أبوابها وصرفت صحافييها ومصوريها وموظفيها

وخلال الأشهر الماضية، بثت قنوات برامجها لفترة قصيرة، قبل اختفائها، كقنوات "بانا تي في" و"الجزائر 24" التي قدمت نفسها قناة إخبارية، وبثت لأيام فقط.

منذ بدء تجربة القنوات المستقلة وفتح قطاع السمعي البصري في الجزائر عام 2012، شهد الفضاء التلفزيوني في البلاد ظهور عدد كبير من القنوات بلغت في مرحلة من المراحل أكثر من 40، لكن أغلبها لم يصمد، إما لاعتبارات مالية ولوجيستية، وإما لاعتبارات سياسية تخضع لمزاج السلطة. فقد استُبعدت قنوات "الهقار" و"سيرتا" و"الملاعب"، فيما أوقفت السلطات قنوات "الأطلس" التي كانت مقربة من رئيس الحكومة والمرشح الرئاسي السابق علي بن فليس، و"الوطن" المقربة من الإسلاميين. كذلك أوقفت قناة "كاي بي سي" التابعة لـ"مجمع الخبر"، بعد رفض السلطات شراءها من رجل أعمال كان معارضاً للسلطة عام 2016 .

لم تصدر إلى الآن المراسيم التنفيذية ودفتر الشروط المنظم لكيفية إنشاء قنوات تلفزيونية

وظلت السلطات الجزائرية تحافظ على مستوى من الغموض على الصعيد القانوني، فلا تزال النصوص القانونية المنظمة لعمل القنوات التلفزيونية غير واضحة، ولم تصدر إلى الآن المراسيم التنفيذية ودفتر الشروط المنظم لكيفية إنشاء قنوات تلفزيونية، رغم مرور 9 سنوات على صدور قانون الإعلام الجديد و6 سنوات على صدور قانون السمعي البصري. وتتحجج السلطات كل مرة بذرائع سياسية، آخرها إرجاء صدور هذه المراسيم إلى ما بعد صدور الدستور الجديد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وصبغت هذه الظروف القنوات المستقلة في الجزائر بالغموض، اذ لا تحوز أغلبها أي اعتماد أو ترخيص بالبث والنشاط، إلا خمسة منها منحتها السلطات ترخيصاً مؤقتاً. وقبل أسبوع هددت سلطة ضبط السمعي البصري بملاحقة القنوات التي تبث من دون ترخيص قضائياً في الجزائر.

لا تملك معظم القنوان اعتماداً أو ترخيصاً بالبثّ والنشاط

وعلى الرغم من هذه الأوضاع، لا تزال بعض القنوات تقدم على الانطلاق، رغبة منها في مزاحمة تلك التي نجحت في الصمود منذ سنوات، متسلحة بخطاب رسمي يبشر بمرحلة سياسية جديدة وانفتاح إعلامي في البلاد، حيث انطلقت قبل أيام فقط قناة "الوطنية"، وقبلها "التحرير" و"طاسيلي". ولا يعرف ما إذا كانت قادرة على مواجهة البيئة الإعلامية والقانونية الملتبسة في الجزائر حتى الآن.

ويقر الإعلامي حسن قطاف، وهو ضمن طاقم تحرير قناة "الوطنية"، بأن "ظروف قطاع الإعلام تعيسة في الجزائر، وفتح قناة تلفزيونية بكل أعبائه المادية والمهنية يعتبر مجازفة غير مضمونة النتائج، في ظل هذه الظروف والسياسة الغامضة التي تنتهجها السلطة إزاء الإعلام السمعي البصري، فضلاً عن غياب الإشهار (الإعلانات)". وقال قطاف في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن البلد الوحيد في العالم الذي يملك قنوات محلية وفي مجال عملها وطواقمها، لكنها في نظر القانون تعتبر أجنبية من دون وجود لأي قانون يحميها ويحمي العاملين فيها".

تصر قنوات على تحدي الظروف، متسلحة بخطاب رسمي يبشر بمرحلة سياسية جديدة وانفتاح إعلامي في البلاد 

 لكنه شدّد على أن هذا الواقع "يوجب المقاومة، عبر التمسك بإطلاق المبادرات الإعلامية"، مضيفاً أن "إطلاق هذه القناة (الوطن) جاء بمبادرة من بعض الإعلاميين الذين قرروا المساهمة في الارتقاء بالإعلام السمعي البصري، وتهدف إلى تدشين قناة جزائرية ذات بعد مغاربي ــ شمال أفريقي تتسم بالجدية والموضوعية، لإبراز الصورة الحقيقية للجزائر لدى الجمهور المغاربي والعربي، وطموحنا أن يفرض الإعلاميون وجودهم في الساحة ويحاولوا فرض أنفسهم على السلطة التي لا تزال مترددة في فتح هذا المجال".

وأضاف أنه على الرغم من أن "مستقبل هذا المجال لا يزال غامضاً، والأمر مفتوح على كل الاحتمالات كغموض التوجهات المستقبلية للبلاد على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، وخاصة في ما يتعلق بمجال الإعلام و الحريات، إلا أننا نرى أن وجود قنوات ووسائل إعلامية جادة ومختلفة بات ضرورياً في هذا الوقت تحديداً، من باب فرض الوجود".

المساهمون