الكائنات الفضائيّة بين الحقيقة وضدها

30 اغسطس 2021
يدعم الوثائقي فرضية أن الكائنات الفضائية موجودة منذ بداية التاريخ البشري (Getty)
+ الخط -

ست حلقات تتحفنا بها "نتفليكس" بعنوان "مشاريع الأجسام الطائرة شديدة السريّة"، تحاول فيها أن تكشف لنا عن "حقيقة" و"ضد حقيقة" وجود الأجسام الطائرة والكائنات الفضائية وكل تلك المشاهدات والاختبارات السريّة التي عملت الولايات المتحدة وجيشها على إخفائها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. 

يتكرر في الحلقات الست ما نعرفه مسبقاً عن المشاهدات المشبوهة لأجسام طائرة لا يمكن تحديدها، لكن الاختلاف، أننا أمام شهود هذه المرة لا علاقة لهم فقط بمشاهدات الأجسام الطائرة، بل أيضاً المشاركين في المشاريع العسكريّة لإخفاء وجودها. إذ يكشف لنا الوثائقي عن عدد من التكتيكات الإعلامية والأيديولوجيّة التي اتبعها الجيش الأميركي من أجل نسف الحقيقة. إذ تم توظيف فرق من العلماء والمختصين بالعلاقات العامة والإعلام والمخابرات للتحكم بكمية المعلومات التي تظهر للعلن في ما يخص الأطباق الطائرة، في ذات الوقت العمل على نسف مصداقية الشهود وتحويلهم إلى مجرد متوهمين. 

نشاهد في المسلسل عدداً من الشهود على مشاريع عسكرية سريّة كالكتاب الأزرق. وكلها جهود وظف فيها الجيش الأميركي علماء فلك لتقديم نسختين مما يحصل. الأولى للعلن، أي للصحافة والرأي العام، مفادها بأنَّ كل هذه المشاهدات ليست إلا شهادات مشكوكا في أمرها، أو على الأقل لا يمكن حسم حقيقتها. والنسخة الأخرى سريّة، يستخدمها الجيش لتطوير تكنولوجيا فضائية لم يتوصل لها أحد، وهذا ما يتضح في المشاهدات لطائرات سريعة جداً، تتحرك ضد الجاذبية وقادرة على الانتقال من مكان إلى آخر بسرعة خياليّة. 

يحاول الوثائقي ألا يتحدث فقط عن الولايات المتحدة. نشاهد بعض الفيديوهات والشهود من أوروبا و من الاتحاد السوفييتي، وكيف أن "الكائنات الفضائيّة" و"المركبات الفضائيّة" جزء من حرب خفية، لا لإثبات وجودها أو نفيه، فهي موجودة سلفاً، لكن الصراع كان ومازال حول من يستطيع أن يوظف هذه التكنولوجيا الجديدة ويضمها إلى ترسانته العسكريّة، إلى جانب العديد من الشهادات التي تعرفنا على عمليات تشريح الكائنات الفضائيّة وكيف "أخفي الأمر عن الجميع". 

يدلل الوثائقي في محاولة لدعم مصداقيته فرضية أن الكائنات الفضائية موجودة منذ بداية التاريخ البشري، وهناك آثار على وجودها يمكن تلمسها في تاريخ الفن والكتب الدينيّة، دون التعمق في هذه الفرضيّة، كونها تنسف حقيقة وجود مشروع سريّ معاصر لإخفاء الحقيقة. و تحول الأمر إلى نظرية مؤامرة بدأت مع بداية البشريّة، فالفرضية الحالية تقول إن سبب ظهور هذه الكائنات بعد الحرب العالميّة الثانية هو القنبلة النوويّة، التي جذبت انتباه الكائنات الفضائية إلى كوكبنا. وكأننا ارتقينا بسبب هذا الحدث المفجع ضمن هرم التطور الكونيّ، وأًصبحنا من الكائنات التي قد تمتلك ثقلاً على مستوى المجرة، بالتالي لابد من دراستنا وفهمنا، كي نأخذ مكاننا المناسب ضمن الكائنات. 

محاولة تفادي السخرية حين مشاهدة الوثائقي صعبة، وبالرغم من كل محاولاتنا كتم ضحكاتنا أو عدم التهكم،  لكن لا يمكن إلا أن ينفلت من لسان المشاهد تعليق مثل " كفى ضحكاً على اللحى!"، خصوصاً أن  رائحة نظرية المؤامرة لا يمكن تفاديها، والأهم، هذه "النا" التي يستخدمها كل من في الوثائقي، على من تعود بدقة، العلماء الأميركان؟ أم الأميركان أنفسهم، أم كل البشر؟
لكن، هناك ما هو مثير للاهتمام في الوثائقي، ويتمثل ذلك في الوعي بسياسات إنتاج الحقيقة، خصوصاً حين التعامل مع شأن كوني لا نظنّ أن من السهل إخفاءه، لكن إن كانت الولايات المتحدة فعلاً قادرة على إخفاء حقيقة وجود الكائنات الفضائية، فتباً لهذه الكائنات، التي لم تستطع أن تتفوق على ماكينة الدعاية الأميركيّة، القادرة على إنتاج الحقيقة وضدها لأكثر من 100 عام، والجميع غافلون عن ذلك.  

المساهمون