الفنان الأردني هشام يانس.. مسرح ودراما وتطبيع

23 ديسمبر 2024
الفنان الأردني هشام يانس (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- رحل الفنان الأردني هشام يانس عن عمر 73 عامًا، تاركًا إرثًا فنيًا غنيًا في التمثيل المسرحي والتلفزيوني والإذاعي، وبرز في الثمانينيات والتسعينيات بأعمال جريئة تناولت قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب كوميدي ساخر.
- تميزت أعماله بالمزج بين الكوميديا والنقد الاجتماعي والسياسي، وتعاون مع نبيل صوالحة في مسرحيات ناقشت قضايا الناس بجرأة، مستخدمًا تقنيات المسرح الحديث.
- امتد تأثيره إلى التلفزيون والإذاعة، حيث كتب أكثر من 82 مسلسلًا و15 مسرحية، وأسس أول مسرح مدرسي في أبوظبي، وأثارت زيارته للأراضي الفلسطينية جدلًا واسعًا.

فقدت الساحة الفنية الأردنية، الأحد، أحد أبرز أعمدتها الفنان هشام يانس، الذي رحل عن عمر 73 عاماً. هشام يانس، الذي بزغ نجمه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، قدّم إرثاً فنياً غنياً متنوّعاً بين التمثيل المسرحي والتلفزيوني والإذاعي، إلى جانب الكتابة والتأليف، حيث استطاع عبر عقود من العمل أن يرسّخ اسمه في ذاكرة المسرح اليومي، ليكون أحد أعمدته الأكثر تأثيرًا وابتكارًا في تلك الفترة.

ومن خلال تقديمه لرسائل اجتماعية وسياسية تحمل هموم الناس، برع يانس في الجمع بين الكوميديا والرسائل الهادفة، متجاوزًا الحدود التقليدية للمسرح العربي، ليصنع إرثًا يليق بفنان كبير حمل هموم وطنه وقضايا مجتمعه على خشبة المسرح.

ولد هشام يانس في عمّان عام 1946، لكنه حمل حلمه الفني إلى فضاءات أوسع، بدءًا من دراسته للقانون في جامعة القاهرة، حيث بدأ يعي قيمة الكلمة وتأثيرها في مجتمعه. هذا التأثير انعكس على أعماله التي اتسمت بالجرأة في الطرح والرغبة في التغيير. كانت بدايته الفنية الحقيقية مع برنامج "ليالي عمان" الذي ظهر فيه بأسلوب كوميدي ساخر، جذب الأنظار وأرسى قواعده فناناً قادراً على تجسيد الشخصيات المتنوعة، بما في ذلك النسائية، ليكون مرآة تعكس هموم الشارع الأردني والعربي.

امتلك يانس قدرة فريدة على المزج بين الهزل والجد، وجعل الجمهور يضحك، بينما تتخلل الضحكات رسائل تتناول مشكلات المجتمع. وتعاون مع الفنان نبيل صوالحة لتقديم ثنائية استثنائية تناولت القضايا السياسية والاجتماعية بشكل ساخر، وكانت مسرحياتهما، مثل "أهلاً نبيل وهشام" و"آل سلام آل"، مثالا على المسرح الذي يناقش قضايا الناس بجرأة ووعي.

كان النقد السياسي والاجتماعي محورًا أساسيًا في أعمال هشام يانس. واستغل فترات الانفتاح الديمقراطي في الأردن ليقدم مسرحيات تناولت قضايا شائكة مثل الفساد وغياب العدالة الاجتماعية و"السلام" بين الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي. أعمال مثل "نظام عالمي جديد" و"التطبيع" و"أهلاً حكومة" عكست رؤيته الفنية التي تمزج بين الكوميديا السوداء والنقد البناء. كما سلط الضوء على اتفاقيات التطبيع في المنطقة وتناقضاتها بأسلوب فكاهي عميق، وتناول قضايا الفساد الإداري في "الحق يا طراونة"، ما جعل الجمهور يتفاعل بعمق مع هذه القضايا.

أعماله المسرحية تميزت بالتجديد، حيث استخدم تقنيات المسرح الحديث مثل كسر الجدار الرابع والتفاعل المباشر مع الجمهور. وظّف الإضاءة الطبيعية والموسيقى عناصرَ أساسية لإثراء العرض المسرحي، مقدّمًا شخصيات تنبض بالحياة وتمزج بين الكاريكاتير والواقعية. لم تكن المسرحيات مجرد وسيلة للترفيه، بل منصة لمناقشة القضايا اليومية التي تواجه المجتمع، مثل الفقر والتعليم والهجرة.

هكذا قدّم في المسرح أعمالًا جريئة، مثل "نظام عالمي جديد"، التي تناولت الهيمنة الأميركية وسياسات القوة في العالم، فيما ناقشت مسرحية "مؤتمر قمة عربي" طريقة اتخاذ الزعماء العرب قرارات مصيرية وتأثيرها على العالم العربي.

أما مسرحية "سلام يا سلام"، فقد ركزت على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وسلطت الضوء على تناقضاتها بأسلوب كوميدي ساخر. من أبرز أعماله الأخرى "أهلاً تطبيع التي قلد فيها يانس وصديقه نبيل صوالحة شخصيات سياسية بارزة بحضور الملك الحسين، إلى جانب "حقوق الإنسان العربي" التي سلطت الضوء على فقدان الإنسان العربي لحقوقه الأساسية.

وقدم يانس عددًا من الأغاني لبعض المطربين الأردنيين والعرب، مثل: أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وصباح، وسميرة توفيق، ومحرم فؤاد، وسلوى، وتوفيق النمري، وإسماعيل خضر، ووديع الصافي، وشادية، وناظم الغزالي، وصباح فخري، ومحمد عبده، وغيرهم.

في مجال الإذاعة، قدّم يانس أعمالا درامية مميزة تركت أثرًا كبيرًا لدى الجمهور، من أبرزها "تل الفخار" التي تناولت قضايا مجتمعية بعمق، و"النشامى يا بحر" التي عبّرت عن الروح الوطنية بأسلوب درامي مشوق، بالإضافة إلى "الظاهر بيبرس" التي استلهمت قصصًا تاريخية وقدمتها بأسلوب فني فريد.

اهتم هشام يانس أيضًا بمسرح الطفل، وقدم أعمالًا مثل "ماوكلي"، التي ركزت على تقديم محتوى ترفيهي وتعليمي للأطفال بعيدًا عن العنف. أما في التلفزيون، فقدّم أعمالًا لاقت نجاحًا كبيرًا مثل مسلسل "نجاتي وحرمة"، الذي جمع بين الكوميديا والواقعية، ومسلسل "نقطة وسطر جديد"، الذي ناقش قضايا اجتماعية بطريقة بسيطة وملامسة لحياة الناس اليومية.

لم يقتصر تأثيره على المسرح، بل امتد إلى التلفزيون والإذاعة، حيث عمل مخرجًا ومنتجًا وكتب أكثر من 82 مسلسلًا تلفزيونيًا و15 مسرحية سياسية. وأسس أول مسرح مدرسي في إمارة أبوظبي وترك بصمته في الدراما الخليجية. وعاد إلى الأردن لاحقًا ليكرّس وقته للكتابة.

لكن تاريخه الفني الكبير لم يعفه من أخطاء في السياسة قبل الفن. فمنتصف تسعينيات القرن الماضي، اختار يانس، رفقة الفنانين نبيل صوالحة وأمل الدباس، زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليكونوا أول وفد فني أردني يقوم بزيارة مشابهة، بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاقية وادي عربة، بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي. هذه الزيارة وتقديم عروض حضرها جمهور إسرائيلي أديا إلى قطيعة بين يانس وفنانين كثر، بمن فيهم نقابة الفنانين الأردنيين.

وبقي يانس يدافع عن موقفه حتى سنوات متأخرة مردداً أنه زار فلسطين لا إسرائيل "وهي وطني، فقد عشت في مخيم فلسطيني وترسخت في ذاكرتي آلام أمتي".

المساهمون