الفصل العنصري الرقمي في غزة: شركات التكنولوجيا شريكة

16 اغسطس 2024
وقفة ضد مشروع نيبموس في كاليفورنيا، مايو 2023 (الأناضول)
+ الخط -

دانت مؤسسة الحدود الإلكترونية، وهي منظمة للدفاع عن الحقوق الرقمية مقرها سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، قبل أيام، ما سمّته "الفصل العنصري الرقمي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة"، الذي يرزح تحت العدوان الإسرائيلي منذ أكثر من عشرة أشهر. كما طالبت المؤسسة شركات التكنولوجيا الكبرى بالكشف عن أدوارها في التكنولوجيا المستخدمة في انتهاكات حقوق الإنسان. 
ونشرت المؤسسة تقريراً ذكّرت فيه بأنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "تعرّضت شركات مقرها الولايات المتحدة، مثل غوغل وأمازون، لضغوط للكشف عن المزيد حول الخدمات التي تقدمها وطبيعة علاقاتها بالقوات الإسرائيلية المشاركة" في العدوان. لافتة إلى أنه "من دون مزيد من الشفافية، لا يمكن للجمهور معرفة ما إذا كانت هذه الشركات تمتثل لمعايير حقوق الإنسان".

تعريف الفصل العنصري الرقمي

الفصل العنصري الرقمي الذي يعيشه الفلسطينيون يشير إلى سياسات وإجراءات تفرضها شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل "ميتا" و"إكس" (تويتر سابقاً)، وتساهم في تقييد وتعطيل المحتوى المؤيد للفلسطينيين على الإنترنت. يحصل ذلك من خلال حجب المنشورات، وتقليل وصولها إلى الجمهور، وفرض خوارزميات تستهدف تقليل انتشار الأصوات الفلسطينية. تقوم هذه الشركات بفرض هذا الفصل من خلال الرقابة الخفية Shadow Banning وتقييد الحسابات بحجة انتهاك سياسات المنصات، ما يؤدي إلى إسكات الرواية الفلسطينية.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في مايو/ أيار 2023، أي قبل خمسة أشهر من بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، فإن هناك بعداً آخر للفصل العنصري الرقمي يقوم بشكل أساسي على استخدام تقنيات التعرّف على الوجه في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة طيلة سنوات. سلط التقرير الضوء على استخدام كاميرات 360، والذكاء الاصطناعي، والبيانات البيومترية، وتقنيات التعرف على الوجه لمراقبة الفلسطينيين. كما ناقش عواقب المراقبة البيومترية في ظل ظروف الفصل العنصري، مثل حرية التنقل والمساواة وعدم التمييز والحق في الخصوصية.

التكنولوجيا تساعد الفصل العنصري

يُخضع الاحتلال الفلسطينيين إلى أدوات تنتمي إلى أنظمة الفصل العنصري من "مراقبة مكثفة ومستمرة للمدنيين واللاجئين الذين يعيشون في ظل ما يعترف به القانون الدولي بوصفه احتلالاً غير قانوني"، تؤكد مؤسسة الحدود في بيانها الأخير. وتضيف: "يتطلب هذا النوع من المراقبة دعماً فنياً كبيراً ويبدو من غير المحتمل أن يحدث من دون أي مشاركة مستمرة من قبل الشركات التي توفر المنصات". وتشدّد على أنه "حان الوقت لكي تكشف غوغل وأمازون الحقيقة بشأن استخدام تقنياتهما في غزة حتى يتمكن الجميع من معرفة ما إذا كانت التزاماتهما بحقوق الإنسان حقيقية أم مجرد وعود فارغة".
واشترت الحكومة الإسرائيلية منذ مدة طويلة تقنيات المراقبة التي تستخدمها في الفصل العنصري من شركات مقرها الولايات المتحدة. وسبق أن كشف تحقيق أجرته مؤسستا "972+" و"لوكال كول" الإعلاميتان أن جيش الاحتلال يخزن معلومات استخبارية على خدمة أمازون السحابية، بعدما أصبح حجم البيانات التي جمعها من خلال مراقبة الفلسطينيين في غزة أكبر من أن تسعه الخوادم العسكرية.
وذكر التحقيق نفسه أن قائد وحدة مركز الحوسبة وأنظمة المعلومات في إسرائيل، المسؤولة عن توفير معالجة البيانات للجيش، قد أكد في خطاب إلى أفراد الجيش والصناعة أن الجيش الإسرائيلي كان يستخدم خدمات التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي التي تقدمها شركات التكنولوجيا المدنية، مع ظهور شعارات "أمازون" و"غوغل" و"مايكروسوفت" في العرض التقديمي.

مشروع نيمبوس شريك في الفصل العنصري الرقمي

في 2021، وقّعت "غوغل" و"أمازون" عقداً مشتركاً بقيمة 1.2 مليار دولار مع الجيش الإسرائيلي يسمى مشروع نيمبوس لتوفير خدمات سحابية وأدوات التعلم الآلي لإسرائيل. وقالت وزارة المالية الإسرائيلية إن المشروع يهدف إلى "تزويد الحكومة والمؤسسة الدفاعية وغيرها بحل سحابي شامل". وبموجب العقد، لا تستطيع "غوغل" و"أمازون" منع وكالات معينة للحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك الجيش، من استخدام خدماتها. إضافة إلى ذلك، أفاد مسؤول إسرائيلي بأن الجيش ينشر شبكات التعرف على الوجوه في جميع أنحاء قطاع غزة باستخدام أداتين تتمتعان بقدرات التعرف على الوجوه والتجميع، واحدة من شركة كورسايت، وهي "شركة استخبارات الوجه"، والأخرى من "غوغل".
ولعلّ مشروع نيمبوس هو أكثر المشاريع التي أثارت الجدل في سيليكون فالي، وخلقت موجة غضب منذ توقيع العقد عام 2021، واحتجاجات عليه من قبل موظفين، تحديداً في "غوغل". وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال المهندس محمد خاتمي، الذي طردته "غوغل" مع عشرات الموظفين بسبب اعتراضهم وحراكهم المعارض للمشروع، إن شركات التكنولوجيا في سيليكون فالي "لا شكّ شريكة في الإبادة الجماعية في غزة. سواء كان ذلك عن طريق التعامل التجاري مع النظام الصهيوني الذي يقيم احتلالاً بشكل غير قانوني ويطهر مجموعة من الناس عرقياً، أو حتى أبعد من ذلك، فالتطبيقات العسكرية لمشروع نيمبوس باتت كلها مكشوفة ومعروفة مع فواتيرها، وقيمتها مئات ملايين الدولارات، التي تُرسل من غوغل إلى الجيش الإسرائيلي، وبالتحديد إلى الإدارة العسكرية. لذلك، من دون أدنى شك، نحن نعلم أن شركات التكنولوجيا الكبرى متواطئة".
ويشرح أن الاعتراض على المشروع يجب أن يشمل كل الموظفين بسبب خطورته أيضاً على "غوغل" كشركة: "تبلغ قيمة هذا العقد مع الاحتلال الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية 1.2 مليار دولار وينص ببساطة على بناء مراكز بيانات ضخمة وواسعة، ولكن داخل الحدود الإسرائيلية. لذا، فهو يتيح الفرصة للحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لاستخدام خدمات البيانات الخاصة بنا، محلياً في بلادهم من دون أمننا ومن دون إدارتنا، مانحين إياهم بذلك شيكاً على بياض ليفعلوا ما يريدون بمراكز البيانات التي نبنيها لهم".


الفصل العنصري الرقمي إذاً تدعمه شركات تكونولوجيا عملاقة، وترضخ للشروط الإسرائيلية بشكل مستمرّ، وهو ما حذرت منه منظمات حقوقية عدة حتى قبل بدء حرب الإبادة في قطاع غزة. 
وقد أكدت مؤسسة الحدود الإلكترونية أنه "بناءً على المعلومات غير الواضحة المتاحة، هناك سبب واضح للقلق والحاجة إلى توضيح الشركات أدوارها... لا ينبغي للشركات أن تقدم عمداً خدمات محددة تسهل انتهاكات حقوق الإنسان. كما يجب ألا تتجاهل عمداً كيفية استخدام تقنياتها"، "باختصار، إذا كانت تقنياتها تُستخدم لتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان، سواء في غزة أو في أي مكان آخر، فإن شركات التكنولوجيا هذه بحاجة إلى إظهار مدى التزامها بمبادئ حقوق الإنسان والذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والتي تستند إلى المعايير الدولية. نحن والعالم أجمع ننتظر يا غوغل وأمازون".
 

المساهمون