الفرنسية جولي دلبي وسورية: من هم "البرابرة"؟

08 يناير 2025
"البرابرة": حكاية سينمائية مُضحكة عن مأزق أخلاقي (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "البرابرة" لجولي دلبي يستعرض رفض الآخر من خلال قصة عائلة سورية في فرنسا، مسلطًا الضوء على التوترات الثقافية والاجتماعية والعنصرية المتزايدة في أوروبا تجاه القادمين من الشرق الأوسط.
- يتميز الفيلم ببنية درامية تركز على تفكيك المجتمع الريفي الفرنسي، مع شخصيات من سوريا ولبنان وفلسطين، مما يبرز التحديات التي تواجهها العائلة السورية في التأقلم مع البيئة الجديدة.
- يجمع الفيلم بين الكوميديا والدراما لتخفيف حدة القضايا، ويقدم رؤية نقدية للمجتمع الفرنسي، مما يجعله عملًا ذا قيمة فنية واجتماعية.

 

لوهلةٍ، يُثير العنوان حذراً، أو خوفاً. "البرابرة"، عنوان فيلمٍ جديد (2024) للفرنسية جولي دلبي، تمثيلاً وإخراجاً. قبل المُشاهدة، سؤالٌ يُطرح بسببه: من هم هؤلاء البرابرة؟ قراءة التعريف به غير كافيةٍ، رغم إيحاءٍ غير مباشر بأنّ هناك مأزقاً كبيراً في ذاتٍ فرنسية إزاء الآخر، ورغم أنّ حضور عائلةٍ سورية في بلدة ريفية فرنسية لن يكون سهلاً على أفرادها، كما على أهل تلك البلدة. المُشاهدة تُقدِّم إجابةً، أو ربما الفيلم نفسه يوحي بإجابةٍ: رفض الآخر فعلٌ بربريّ. وصف الآخر بأنّه بربريّ فعلٌ بربريّ أيضاً. الآخر نفسه ربما يكون بربريّاً، وهذا غير موجودٍ في "برابرة" دلبي، رغم نظرة فرنسية إزاءه.

اختيار عائلة سورية، في زمن الحرب الأسدية ضد شعبٍ وبلد وتاريخ وجغرافيا، غير منزّهٍ عن كليشيهات تحضر في أوروبا، رفضاً لسياسات رسمية، أو رغبة في التعبير عن موقفٍ أخلاقي. جولي دلبي تريد فيلماً عن رفض الآخر، وربما عن ثقافة عنصرية تزداد نموّاً في بلدها، كما في القارة العجوز. اختيارٌ يتماشى وتناقضات أوروبية إزاء مسائل شرق أوسطية: فلسطين وسورية أولاً، ولبنان لاحقاً. بلدان تعاني خراباً في مستويات عدّة، والغرب الرسمي، الأوروبي ـ الأميركي، غير راغبٍ في إنهاء حرب إبادة إسرائيلية في قطاع غزّة تحديداً، لكنّه مهتمّ بالمرحلة الجديدة في سورية، بعد "ردع العدوان".

"البرابرة"، سينمائياً، مشغول بحِرفية مبسّطة، ومطعَّم بجمل ولقطات تُثير ضحكاً. لا خطابية أخلاقية فيه، رغم كلامٍ يُراد له أنْ يكون أخلاقياً إزاء الآخر عامة، وليس فقط إزاء السوريّ. إيجاد فُسحٍ كوميدية في نصٍّ مبنيّ على أزمة مفتوحة على السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأولاً على الأخلاقي، يُخفِّف من ثقل الحكاية السورية ـ حكاية الآخر في مجتمعٍ يُفترض به أنْ يعيش "حرية ومساواة وأخوّة"، مع أنّ شعاراً كهذا موجّه إلى الداخل أكثر من توجّهه للقادم إلى الداخل.

 

 

البنية الدرامية تقول أيضاً إنّ اختيار أي عائلة أخرى من دولةٍ تعيش حروباً لن يُبدِّل شيئاً في السرد الحكائيّ، فالنصّ السينمائي نفسه مشغولٌ بقراءة مأزق فرنسي، لا مشكلة خارجية. عائلة سورية مؤلّفة من أكثر من جيل، وينقصها أفرادٌ سيُعرف لاحقاً أنّ تلك الحرب السورية قاتلة إياهم، يؤدّي أدوارها ممثلون وممثلات من سورية ولبنان وفلسطين، وهذه إشارة إضافية توحي بأنّ الأهمّ في النصّ السينمائي (ماثيو روماني ونيكولا سْلومْكا ودلبي نفسها، بالتعاون مع ليا دومِناك) تفكيك بيئة ريفية فرنسية، جزءٌ أساسيّ منها منغلقٌ على ذاته، وناقمٌ على الخارج عليها، ورافضٌ كلّ قادمٍ إليها.

فارس الحلو (سورية) وزياد بكري (فلسطين) وريتا حايك وداليا نعوس (لبنان) في واجهة العائلة السورية. جولي دلبي وساندرين كيبرلان (فرنسا) في واجهة البلدة الريفية تلك. صديقتان ستختلف إحداهما مع الأخرى بسبب تراكمات سابقة، كثيرٌ منها لا علاقة له بوصول تلك العائلة السورية، "الغريبة" على مناخٍ ريفيّ ضيّق.

"بانبون (Paimpont)" في غربي فرنسا. على بلديتها استقبال عائلةٍ نازحةٍ، بعد تمكّنها من بلوغ أوروبا هرباً من حربٍ طاحنة في بلدها. لا أحد فيها يتخيّل أنّ العائلة المنتَظَرة ستكون سورية، فالجميع مهمومون بأوكرانيا، وبحربها مع روسيا. اكتشاف جنسيتها يُسبّب خلافاتٍ في التركيبة الاجتماعية لتلك البلدة الصغيرة (1778 فرداً بحسب إحصاء عام 2022)، فقلّة، تتبّوأ صدارتها المدرِّسة جويل (دلبي)، غير مُكترثة بالجنسية، لأنّ الأولوية بالنسبة إليها للاستقبال الحسن والمساعدة. التشدّد الرافض يقوده إيرفيه (لوران لافيت)، الذي تنكشف خفايا في حياته، تؤدّي إلى انهيار زواجٍ وعائلة غير مكتملة.

أمّا الأداء فمتفاوتٌ، لأنّ الشخصيات متناقضة. العائلة السورية متعَبةٌ من حربٍ وموتٍ وخراب وآلام، وفرنسيو البلدة الريفية مرتاحون نسبياً، مع أنّ لكلّ فردٍ في العالم مشاكله الخاصة. الأداء البديع لدلبي وكيبرلان يوحي بعفوية وثقة أكبر في وقائع الشخصيتين، بينما الممثلون/الممثلات العرب متلائمون ومصائب شخصياتهم/شخصياتهنّ. تفاصيل عدّة تكشف مسار التأقلم السوري مع حياة ريفية في بلدة شبه مُعادية، وتفضح الكامن في نفوس وتصرّفات فرنسية.

الأهم أنّ "البرابرة" فيلمٌ مُضحكٌ، رغم مصائب جمّة يعانيها أناسٌ متعدّدو الجنسيات والخلفيات.

المساهمون