العنف ضد النساء: أيّ دور لمنصات التواصل؟

25 سبتمبر 2022
مسيرة في بيروت في يوم المرأة العالمي عام 2020 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة إلى منبرٍ للنساء اللبنانيّات لطرح قضاياهن، مع توسّع دائرة العنف الجسدي أو النفسي الذي يطاولهن. وباتت هذه المواقع جزءاً أساسياً من "نظام حماية" النساء، في ظل اتساع أعداد المناصرين قضاياهنّ، والدور الذي يمكن أن يلعبه الناشطون والجمعيات في تكوين رأي عام داعم لهن. لكن مقابل مساحة الأمان التي تقدّمها هذه المواقع للنساء، فإن سهولة الوصول إليها، والقدرة على استغلالها لتعنيفهن نفسياً، باتتا تطرحان إشكالية جديّة حول دورها في تعزيز العنف الجندري، وصولاً إلى نقله من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع.

وفي هذا السياق، تقول مديرة البرامج في مؤسسة مهارات ليال بهنام، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع النساء اعتبرن في مرحلة معينة مواقع التواصل الاجتماعي فرصة ومساحة آمنة لهن للتعبير عن آرائهن، بسبب حواجز المجتمع والإعلام، لكنّنا أصبحنا اليوم نشعر بأنّنا نتعرّض للعنف عبر هذه المواقع أكثر من الحياة العادية". وتتحدّث بهنام عن جرائم القتل التي تحدث مثلاً، إذ تُقابل حملات التضامن النسوية مع الضحايا بحملة مضادة تُظهر القاتل على أنّه بطل، ومن هنا مسؤولية مواقع التواصل الاجتماعي. وتضيف: "لم يعد بإمكاننا الحديث عن حرية التعبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن نتحدّث عن المسؤولية، ومن هنا توصي مؤسستنا بضرورة أن تشبك شركات مواقع التواصل الاجتماعي مع المجتمعات المدنية في كلّ دولة للقيام بعمليات وقائية، ووضع آليات فعالة للتبليغ عن أي إساءة عبر هذه المنصات"، موضحة أن التنسيق مهم جداً، لأن الدراسات التي تقوم بها المجتمعات المدنية تشرح لشركات مواقع التواصل الاجتماعي السياقات والكلمات المفتاحية التي يجب البحث عنها للقيام بعمليات وقائية، وإزالة أي منشور يتضمّن تهديداً أو خطاب كراهية، والحرص في الوقت نفسه على عدم المسّ بحرية التعبير.

وتعتبر أن السؤال اليوم هو كيف يمكن اعتماد مقاربة بنّاءة أكثر للتواصل مع هذه الشركات، لتستجيب بشكل أسرع لموضوع العنف، وكيفية استخدام أفضل الآليات المتاحة أو ممارسة أكبر تأثير ممكن على سياسات هذه المنصات، أو إيجاد منصات لنتكلّم عن الممارسات الفضلى عندما نتعرض لأي نوع من أنواع العنف. وتشير، في الوقت نفسه، إلى أن العنف الإلكتروني لا يذهب دائماً بالضرورة نحو التحريض، بل هناك أنواع عنف إلكتروني أخرى يفترض أيضاً أن تطرح، مثل العنف النفسي الذي يندرج في إطاره التنمر، والإساءة، والتحيز، والتنميط الاجتماعي.

وتكشف بهنام عن تحضير مؤسسة مهارات لمشروع للمساعدة في عملية التبليغ عن الإساءة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تجدها العديد من النساء معقّدة، لافتة إلى أن هذا الأمر يؤمّن استجابة أسرع لمواضيع العنف، لتحويل هذه المواقع إلى مساحة آمنة.

"مهارات" هي منظمة غير حكومية مقرها بيروت، "تعمل محفزاً للمدافعة والنهوض في تطوير مجتمعات ديمقراطية تسودها مبادئ حرية التعبير، والوصول إلى المعلومات، واحترام حقوق الإنسان. وتلتزم بتطبيق مهمتها القائمة على تطوير الظروف الاجتماعية والسياسية لتعزيز حرية التعبير والوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت وخارجها، وإشراك مجتمع متقدم في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتمكينه بالمهارات والمعرفة اللازمة لصنع التغيير"، وفق ما تشير عبر موقعها الإلكتروني.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وينبه الكاتب والباحث والمتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، راغب ملّي، إلى "ضرورة التعاطي مع العنف الرقمي بمنتهى الجدّية من قبل إدارات مواقع التواصل الاجتماعي، لاقترانه في حالات عدة بفعل جُرمي، وهذا يحصل بتعزيز هذه المواقع سياساتها الرقابية، وربطها بأجهزة الأمن المحلية تلقائياً".

ويوضح ملّي، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "إذا حدث تهديد على منصة فيسبوك في لبنان، على مركز المساعدة رصد هذه الحالة وتحويلها مباشرة إلى الأجهزة الأمنية المحليّة لاتخاذ إجراءات استباقية، وهنا تكمن أيضاً مسؤولية وسائل الإعلام والناشطين بالإبلاغ فوراً عن أي تهديد يحصل على منصات التواصل الاجتماعي، والتعاطي معه بجدية وإثارته، كما أنّه من واجب الأجهزة الأمنية الحكومية توقيف المُعنِّف فوراً، منعاً لحصول أي جريمة، وهذا إجراء وقائي مُبرّر".

ويرى ملّي أنّ مبالغة وسائل الإعلام، عبر قنواتها التقليدية وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، في ما تنشره من إثارات حول أخبار العنف الممارس ضدّ النساء، تسهم في إظهاره على أنّه سلوك مقبول، وتصوير المجرمين وكأنهم يقومون بأعمال بطولية خارقة، بالإضافة إلى ترويجها سردية المعنِّف، وخلق تبريرات للجريمة، مشيراً إلى أن ترويج بعض المؤثرين في الفضاء الرقمي هذه الأفكار البدائية ومبرّرات العنف يترك تأثيراً كبيراً في الميدان الرقمي، ما ينعكس لاحقاً في العالم الواقعي. ويقول: "للأسف، سمحت منصات التواصل الاجتماعي بانتشار صور العنف، ولو أن العديد من التطبيقات عملت على تقييدها ومنع نشرها، ما جعلها صوراً عادية للمستخدم الرقمي، وهذه مشكلة تجب معالجتها، والاستمرار في تعزيز السياسات التي تكافحها"، معتبراً أن تطبيع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الصور واستسهال القتل أو الطعن يجعل من هذا الأمر عادياً عند تكراره، من هنا ضرورة منع نشر صور الضحايا ومحاسبة الجهات التي تقوم بذلك، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.

في المقابل، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في نشر حملات التوعية لمكافحة العنف ضدّ النساء وإنهاء أشكاله. وفي هذا السياق، تقول مستشارة الإعلام والتواصل لينا زحيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه المواقع ساهمت في كسر حاجز الخوف لدى الكثير من النساء والفتيات، وشجعتهنّ على مشاركة تجاربهنّ، مذكّرة بقضية ليليان شعيتو التي أصيبت في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، وحُرمت من رؤية طفلها، وهي في المستشفى إلى الآن. وتشير زحيم إلى أن "الحملة على التواصل الاجتماعي مارست ضغطاً على زوجها الذي وافق في نهاية المطاف على السماح لها برؤية ابنها".

وتشدّد على ضرورة تحفيز النقاشات العامة والخاصة على أرض الواقع، جنباً الى جنب مع الحراك النسوي الحقوقي الضاغط على وسائل التواصل الاجتماعي، لدعم إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية في لبنان، فالقوانين الحالية لا تزال محكومة بالنظام الأبوي الذكوري الذي يؤثر بشكل مباشر على تنامي العنف ضد المرأة. كما تؤكد أن وسائل الإعلام تلعب الدور الأكبر في التوعية حول العنف ضدّ المرأة، وتأسف لتطرّق قسم كبير منها لمواضيع النساء والفئات المهمّشة بطريقة مثيرة ورجعية، محاولة تحقيق سبق صحافي، بدلاً من بث برامج ومواد توعوية، وإلقاء الضوء على عمل هيئات المجتمع المدني التي تعنى بشؤون المرأة والمبادرات النسوية.

وترى زحيم أن "النساء حول العالم يتعرّضن للهجوم بشكل مخيف ومنظم، من قبل ما يشبه تياراً ذكورياً عالمياً يشنّ هجوماً عنيفاً على المرأة، ويستخدم وسائل وأساليب مختلفة ومتشابهة أحياناً لتقييد حريات النساء، والهيمنة على كافة جوانب حياتهنّ وقراراتهنّ". وتلقي باللوم على ممثلي المجتمع الذكوري والسلطات الدينية والإعلام الذين يقومون بتبرير جرائم قتل النساء من خلال الحديث عن قضية "الشرف"، وما إلى ذلك من تبريرات مسيئة للضحية. وتعتبر أن النساء في لبنان هنّ ضحايا السلطة الذكورية و"حماة المنظومة"، بدءاً بمن يتولّون السلطة، مروراً بالسلطات الدينية، وصولاً إلى وسائل الإعلام، وكلهم يتعاطفون مع المجرم ويحمون من يبرّر للمجرم فعلته، بدلاً من دعم الضحيّة.

أُعدّ هذا التقرير بدعم من برنامج نساء في الأخبار، ضمن مبادرة كتابة التقارير حول الأثر الاجتماعي من لبنان لعام 2022 (SIRI).

المساهمون